للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى: تشاوروا على التراضي في الأجرة. والمعروف هنا ألاّ يقصر الرجل في حق المرأة؛ التي ترضع له ولده، ولا تقصر المرأة في حق الولد، ورضاعه وهو صريح قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٣٢]: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}

{وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ} أي: في حق الولد، وأجرة الرضاع، فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرة رضاعها، وأبت الأم أن ترضعه، فليس له إكراهها على إرضاعه، بل يستأجر للصبي مرضعا غير أمه، وذلك قوله تعالى: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى} فيه معاتبة للأم على المعاسرة، فهو كقولك لمن تستقضيه حاجة، فتتعذر منه: سيقضيها غيرك؛ أي سيقضيها؛ وأنت ملوم.

هذا؛ و (حمل) بفتح الحاء، وسكون الميم. قال ابن السكيت: الحمل (بالفتح) ما كان في بطن، أو على رأس شجرة، والحمل (بالكسر) ما كان على ظهر، أو رأس. قال الأزهري: وهذا هو الصواب، وهو قول الأصمعي، وقال القرطبي: وقد حكى يعقوب في حمل النخلة الكسرة.

وقال أبو سعيد السيرافي: يقال في حمل المرأة: حمل، وحمل، يشبه مرة لاستبطانه بحمل النخلة، ومرة لبروزه، وظهوره بحمل الدابة.

فصل في حكم الاية: اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة، والسكنى ما دامت في العدة، ونعني بالسكنى مؤونة السكنى، فإن كانت الدار التي طلقها الزوج فيها ملك الزوج يجب عليه أن يخرج منها، ويترك الدار لها مدة عدتها، وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة، وإن كانت عارية، فرجع المعير، فعليه أن يكتري لها دارا تسكنها. وأما المعتدة البائنة بالخلع، أو بالطلاق الثلاث، أو باللعان، فلها السكنى حاملا كانت، أو غير حامل عند أكثر أهل العلم. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنها-أنه قال: السكنى لها أن تكون حاملا. وهو قول الحسن، والشعبي. واختلفوا في نفقتها، فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا.

يروى ذلك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-وهو قول الحسن، والشعبي، وبه قال الشافعي وأحمد.

ومنهم من أوجبها بكل حال، يروى ذلك عن ابن مسعود-رضي الله عنه-. وهو قول إبراهيم النخعي، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي. وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق النفقة إلا أن تكون حاملا لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

وأما الدليل على ذلك من السنة، فما روي عن فاطمة بنت قيس-رضي الله عنها-: أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة؛ وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت ذلك له، فقال لها: «ليس لك عليه نفقة»، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، فاعتدّي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده، فإذا حللت؛ فآذنيني». قالت: فلما حللت؛

<<  <  ج: ص:  >  >>