للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرت له: أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما أبو جهم؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية؛ فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد». فكرهته، ثم قال: «انكحي أسامة بن زيد». فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به. أخرجه مسلم.

واحتج بهذا الحديث من لم يجعل لها سكنى، وقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرها أن تعتد في بيت عمرو بن أم مكتوم، ولا حجة له فيه؛ لما روي عن عائشة-رضي الله عنها-أنها قالت: كانت فاطمة في مكان وحش مخيف على ناحيتها. وقال سعيد بن المسيب: إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها، وكان في لسانها ذرابة.

وأما المعتدة عن وطء الشبهة، والمفسوخ نكاحها بعيب، أو خيار عتق؛ فلا سكنى لها، ولا نفقة؛ وإن كانت حاملا. وأما المعتدة عن وفاة الزوج؛ فلا نفقة لها عند أكثر أهل العلم. وروي عن علي-رضي الله عنه-: أن لها النفقة إن كانت حاملا من التركة؛ حتى تضع. وهو قول شريح، والشعبي، والنخعي، والثوري. واختلفوا في سكناها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما:

أنه لا سكنى لها، بل تعتد حيث تشاء. وهو قول علي، وابن عباس، وعائشة، وبه قال عطاء، والحسن، وهو قول أبي حنيفة. والثاني: أن لها السكنى، وهو قول عمر، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر-رضي الله عنهم-وبه قال مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، واحتج من أوجب لها السكنى بما روي عن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أنها جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدر، فإن زوجها في طلب أعبد له أبقوا؛ حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة. قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم». قالت: فانصرفت؛ حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو أمر بي، فنوديت، فقال: «كيف قلت؟». فرددت عليه القصة؛ التي ذكرت له من شأن زوجي، فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله». قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر، وعشرا. قالت: فلما كان عثمان-رضي الله عنه-أرسل إليّ، فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه، وقضى به. أخرجه أبو داود، والترمذي.

فمن قال بهذا القول قال: إذنه لفريعة أولا بالرجوع إلى أهلها؛ صار منسوخا بقوله آخرا:

«امكثي في بيتك؛ حتى يبلغ الكتاب أجله». ومن لم يوجب السكنى. قال: أمرها بالمكث في بيتها آخرا، استحبابا، لا وجوبا. انتهى. خازن بحروفه.

الإعراب: {أَسْكِنُوهُنَّ:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على الإناث، لا محل له. {مِنْ حَيْثُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و {حَيْثُ} مبني على الضم في محل جر ب‍: {مِنْ}. {سَكَنْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية

<<  <  ج: ص:  >  >>