للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن تحريم بعض إمائه صلّى الله عليه وسلّم مما يبتغي به مرضاة بعض الزوجات، لا شرب العسل، أو عدمه.

الثاني: أن الاهتمام بإنزال سورة فيها الوعيد، والتهديد لأزواج الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالطلاق، واستبدالهن بنساء خير منهن، وأن الله، وملائكته، وصالح المؤمنين عون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدل على وجود تنافس بينهن، وغيرة بعضهن من بعض مما أدى إلى إيذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعلا؛ حتى حرم بعض جواريه إرضاء لهن، واستكتم البعض منهن، فأفشين السر. وهذا يرجح ما ذكرناه. وقد قال العلامة ابن كثير: وكون قضية شرب العسل سببا للنزول فيه نظر، والله أعلم. انتهى. مختصر ابن كثير.

وأقول: إن رواية شرب العسل فيها اضطراب كثير، ففي رواية: أن التي شرب عندها العسل، هي زينب، وهي المشهورة، وفي رواية شرب عند حفصة. وفي رواية زينب: أن المتآمرتين عائشة، وحفصة، وفي رواية حفصة: أن المتآمرتين سودة، وأم سلمة، كما قيل: إن التي شرب عندها العسل سودة، ورواية أخرى: إنها أم سلمة، فهذا الاضطراب يضعف رواية شرب العسل، بينما تحريم مارية لا يوجد فيه هذا الاضطراب، والله أعلم.

هذا؛ ووقوع {ما} على العسل لا ريب فيه، ولا خفاء، وأما وقوعها على مارية القبطية -رضي الله عنها-؛ لأنها أمة تباع، وتشترى، فهي بمنزلة ما لا يعقل، وقد كثر قوله تعالى في الآيات: {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ} كما وقعت على الحرائر في قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٣]: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ؛} لأنهن ناقصات عقل، ولأن الزواج منهن، ودفع المهر بمنزلة الثمن لهن، والدليل على ذلك جعل عقدة الزواج بيد الرجل، والقوامة له عليها.

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ:} الخطاب بلفظ النبوة مشعر بالتوقير، والتعظيم، والتنويه بمقامه الرفيع الشريف، فلم يخاطبه باسمه العلم كما خاطب سائر الرسل بقوله: (يا إبراهيم، يا نوح، يا لوط...) إلخ وإنما خاطبه بلفظ النبوة، أو الرسالة، وذلك أعظم دليل، وأكبر برهان على أنه صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء والمرسلين. {لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ:} الاستفهام فيه تنبيه وعتاب من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم على أن ما صدر منه لم يكن على ما ينبغي، والمراد بالتحريم هنا: الامتناع من شرب العسل، أو من الاستمتاع بمارية، وهو الأولى كما قدمت، لا اعتقاد: أنها حرام بعد ما أحلها الله له: فإن هذا الاعتقاد لا يصدر منه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه كفر. انتهى جمل نقلا عن الخطيب. كيف لا؟ وقد قال تعالى في سورة (المائدة) رقم [٨٧]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا}. انظر ما يتعلق بلفظ «التحريم» في سورة (القصص) رقم [١٢] فإنه جيد جدا بحمد الله تعالى، ولم أعده هنا بغية الاختصار.

{تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ} أي: تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحل الله لك، والمراد: تحريمه مارية-رضي الله عنها-ابتغاء رضا حفصة، وهذا يقوي: أنها نزلت في تحريم مارية، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>