تحريم العسل، فلم يقصد منه رضا أزواجه، وإنما تركه لكراهة رائحته، انظر سبب النزول المتقدم ففيه توضيح، وتفصيل للقصة.
{وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: والله واسع المغفرة، عظيم الرحمة، حيث سامحك في امتناعك عن مارية-رضي الله عنها-وإنما عاتبك رحمة بك، ونبهك لطفا منه، وفي هذا إشارة إلى أن عتابه في ذلك إنما كان كرامة له، وإنما وقع العتاب لتضييقه عليه السّلام على نفسه، وامتناعه عما كان له فيه أنس ومتعة، وبئس ما قال الزمخشري في كشافه بأن هذا كان منه صلّى الله عليه وسلّم زلة؛ لأنه حرم ما أحل الله له، فإن هذا القول قلة أدب مع مقام النبوة والرسالة، وجهل بصفات المعصوم، فلم يكن منه صلّى الله عليه وسلّم تحريم للحلال كما زعم حتى تعتبر مخالفة، ومعصية، وإنما امتنع عن بعض إمائه تطييبا لخاطر بعض أزواجه، فعاتبه الله تعالى عليه رفقا به، وتنويها بقدره، وإجلالا لمنصبه الرفيع أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريا على ما ألف من لطف الله تعالى به. هذا؛ وقد شنّ صاحب الانتصاف على الكشاف ابن المنير الإسكندري المالكي الغارة على الزمخشري، وشنع عليه، وهو محق في ذلك؛ لأن من نظر إلى لطف العقاب عرف حقيقة الأمر، والصواب. ومما يؤسف له أن البيضاوي والنسفي قد قالا بقول الزمخشري. انتهى صفوة التفاسير، وانظر شرح:{لِمَ} في سورة (الصف) رقم [٢].
الإعراب:{يا أَيُّهَا:}(يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو، أو أنادي. (أيها): منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بيا، (وها): حرف تنبيه لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه، ولا يجوز اعتبار الهاء ضميرا في محل جر بالإضافة؛ لأنه يجب حينئذ نصب المنادى. {النَّبِيُّ:} بعضهم يعرب هذا وأمثاله نعتا، وبعضهم يعربه بدلا، أو عطف بيان، والقول الفصل: أن الاسم الواقع بعد: «أي» واسم الإشارة إن كان مشتقا فهو نعت، وإن كان جامدا فهو بدل، أو عطف بيان، والمتبوع أعني:(أي) منصوب محلا، فكذا التابع، أعني:
{النَّبِيُّ} وأمثاله، فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الإتباع اللفظية، وإنما أتبعت ضمة البناء مع أنها لا تتبع؛ لأنها وإن كانت ضمة بناء، لكنها عارضة، فأشبهت ضمة الإعراب، فلذا جاز إتباعها. أفاده العلامة الصبّان؛ لأنه قال: والمتجه وفاقا لبعضهم: أن ضمة التابع إتباع، لا إعراب، ولا بناء. وقيل: إن رفع التابع المذكور إعراب، واستشكل بعدم المقتضي للرفع، وأجيب بأن العامل يقدر من لفظ عامل المتبوع مبنيا للمجهول، نحو: يدعى. وهو مع ما فيه من التكلف يؤدي إلى قطع المتبوع. وقيل:
إن رفع التابع المذكور بناء؛ لأن المنادى في الحقيقة هو المحلى بأل، ولكن لما لم يمكن إدخال حرف النداء عليه توصلوا إلى ندائه ب:«أي» مع قرنها بحرف التنبيه. ورده بعضهم بأن المراعى في الإعراب اللفظ، وأن الأول منادى، والثاني تابع له، والإعراب السائد الآن أن تقول: مرفوع تبعا للفظ. انتهى. جرجاوي.