عمر-رضي الله عنه-استأذن على الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات، فلم يؤذن له، ثم أذن له، ويختمون القصة بنزول قوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ..}. إلخ الآية رقم [٢٨] من سورة (الأحزاب) وما بعدها، ولا أعتمده، وإنما أعتمد أنهما واقعتان، لا واقعة واحدة: الأولى كانت عامة أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم حينما سألنه الزيادة في النفقة، وهذه خاصة بحفصة، وعائشة حينما تآمرتا عليه، وكشفتا سره. والله ولي التوفيق.
بعد هذا: أما قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} حيث جمع القلب، وهما ثنتان بلا ريب، كما رأيت. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: ولم يقل: فقد صغى قلباكما، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين من اثنين جمعوهما؛ لأنه لا يشكل. وقال الجلال: ولم يعبر بالجمع لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة. وقال مكي-رحمه الله تعالى-: وإنما جمع القلب، وهما اثنتان؛ لأن كل شيء ليس في الإنسان منه غير واحد، إذا قرن به مثله فهو جمع. وقيل:
لأن التثنية جمع؛ لأنها جمع شيء إلى شيء. وقد تكلم السيوطي-رحمه الله تعالى-على هذه المسألة في كتابه:(همع الهوامع) الذي شرحت شواهده، وأعربتها، وأرجو الله أن يمتن عليّ بالتوفيق لطباعته، وها أنذا أنقل لك ما قاله بالحرف؛ لتكون على بينة من أمرك.
قال-رحمه الله تعالى-: الأصل في كلام العرب دلالة كل لفظ على ما وضع له، فيدل المفرد على المفرد، والمثنى على اثنين، والجمع على جمع، وقد يخرج الكلام عن هذا الأصل، وذلك قسمان: مسموع، ومقيس.
فالأول: ما ليس جزءا مما أضيف إليه: سمع: ضع في رحالهما، يريد في اثنين. وديناركم مختلفة أي: دنانيركم مختلفة. وعيناه حسنة، أي: حسنتان. وأورد أربعة أبيات شعرية شواهد لذلك، قال: ومنه: لبيك وإخوته، فإنه مثنى وضع موضع الجمع. وقالوا: شابت مفارقه، وليس له إلا مفرق واحد. وعظيم المناكب، وغليظ الحواجب، والوجنات، والمرافق، وعظيمة الأوراك. فكل هذا مسموع لا يقاس عليه، وقاسه الكوفيون وابن مالك إذا أمن اللبس، وهو ماش على قاعدة الكوفيين من القياس على الشاذ، والنادر، قال أبو حيان: ولو قيس شيء من هذا، لالتبست الدلالات، واختلطت الموضوعات.
والثاني: ما أضيف إلى متضمنه. وهو مثنى لفظا، نحو قطعت رؤوس الكبشين، أي:
رأسيهما، أو معنى نحو قول الشاعر:[الطويل]
رأيت بني البكري في حومة الوغى... كفاغري الأفواه عند عرين
فإن مثل ذلك ورد فيه الجمع، والإفراد، والتثنية. فمن الأول قوله تعالى:{إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما،} وقوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٣٨]: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما}. ومن الإفراد: قراءة الحسن قوله تعالى في سورة (طه) رقم [١٢١] وفي ثلاث آيات من سورة