للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجابه الشّيخ جمال الدين محمد بن مالك صاحب الألفية بقوله: [الطويل]

نعم هي كاد المرء أن يرد الحمى... فتأتي لإثبات بنفي ورود

وفي عكسها ما كاد أن يرد الحمى... فخذ نمها فالعلم غير بعيد

وقد اتفقت كلمة النحاة على أن (كاد) كسائر الأفعال، وكلامهم متقارب المعنى في هذا الشأن، ومتشابه، انظر الشاهد رقم [١١٢٧] من كتابنا فتح القريب المجيب، والأشموني، وغيرهما، وها أنا ذا أسوق لك ما ذكره السّيوطي رحمه الله تعالى في كتابه: (همع الهوامع) لتكون على بصيرة من أمرك، قال رحمه الله تعالى: والتحقيق: أنها كسائر الأفعال نفيها نفي، وإثباتها إثبات، إلا أن معناها المقاربة لا وقوع الفعل، فنفيها نفي لمقاربة الفعل، ويلزم منع نفي الفعل ضرورة أن من لم يقارب الفعل لم يقع منه الفعل، وإثباتها إثبات لمقاربة الفعل، ولا يلزم من مقاربته وقوعه، فقولك: «كاد زيد يقوم» معناه: قارب القيام، ولم يقم، ومنه قوله تعالى في سورة (النور) رقم [٣٥] {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} أي: يقارب الإضاءة إلا أنه لم يضيء، وقولك: «لم يكد زيد يقوم» معناه لم يقارب القيام، فضلا عن أن يصدر منه، ومنه قوله تعالى في سورة (النّور) رقم [٤٠]: {إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها} أي: لم يقارب أن يراها، فضلا عن أن يرى، وقوله تعالى في سورة إبراهيم، على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [١٧]: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ} أي: لا يقارب إساغته، فضلا عن أن يسيغه، وعلى هذا الزجاجي. وغيره، وذهب قوم، منهم ابن جني إلى أنّ نفيها يدلّ على وقوع الفعل ببطء كما في الآية: {وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} رقم [٧١] من سورة (البقرة)، فإنّهم فعلوا بعد بطء، والجواب: أنّها محمولة على وقتين؛ أي: فذبحوها بعد تكرار الأمر عليهم بذبحها، وما كادوا يذبحونها قبل ذلك، ولا قاربوا الذّبح، بل أنكروا أشدّ الإنكار، بدليل ما حكى الله عنهم:

{قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً}.

وقال ابن هشام في مغنيه: فالجواب: أنه إخبار عن حالهم في أول الأمر، فإنهم كانوا أولا بعداء عن ذبحها بدليل ما يتلى علينا من تعنّتهم، وتكرار سؤالهم. انتهى.

وقوله مشابه لقول السّيوطي المتقدّم.

{يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ:} يأخذها بسرعة، وخطف، يخطف من باب: فهم، وعلم. قال تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٠]: {إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ،} ومجيئه من باب: ضرب، يضرب لغة، وقد قرئ بها. و {كُلَّما،} (كلّ) هي هنا ظرف، وكذلك في كلّ موضع كان لها جواب، وهذا يعني: أنها متضمنة معنى الشرط، وهذا هو المشهور، و (ما) مصدرية، والزمان محذوف. وقيل: هي هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت {أَضاءَ لَهُمْ:} انظر الآية رقم [١٧].

{مَشَوْا:} انظر إعلال مثله في الآية رقم [١٤]. {قامُوا:} وقفوا عن المشي بسبب الظلمة التي

<<  <  ج: ص:  >  >>