للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحيط بهم. {شاءَ:} أصله: شئ على فعل بكسر العين بدليل قولك: شئت شيئا، وقد قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومفعوله محذوف، التقدير: ولو شاء الله إذهاب سمعهم، وأبصارهم، وكثر حذف مفعوله، ومفعول «أراد» حتى كاد لا ينطق به إلا في الشيء المستغرب، مثل قوله تعالى في سورة الأنبياء رقم [١٧] {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ} وقال الشاعر الخزيمي: [الطويل]

فلو شئت أن أبكي دما لبكيته... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع

وينبغي أن تعلم: أنّه يكثر حذف مفعول هذين الفعلين بعد «لو». (سمعهم): بمعنى:

أسماعهم بقرينة: ({أَبْصارَهُمْ}) وانظر الآية رقم [٧] {شَيْءٍ:} هو في اللغة عبارة عن كل موجود، إمّا حسّا كالأجسام، وإمّا حكما كالأقوال، نحو قلت شيئا، وجمع الشيء: أشياء، غير منصرف، واختلف في علته اختلافا كثيرا، والأقرب ما حكي عن الخليل-رحمه الله تعالى-: إنّ وزنه: شياء، وزان: حمراء، فاستثقل وجود همزتين في تقدير الاجتماع، فنقلت الأولى إلى أول الكلمة، فبقيت وزن: لفعاء، كما قلبوا أدؤرا، فقالوا: أدر وشبهه، وجمع الأشياء: أشايا.

هذا وقال الخازن-رحمه الله تعالى-: وهذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين، ووجه التمثيل:

أنّ الله-عز وجل-شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة، أصابهم مطر فيه ظلمات، وهي: ظلمة الليل، وظلمة المطر، وظلمة السّحاب، من صفة تلك الظلمات: أنّ الساري لا يمكنه المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم سامعوه أصابعهم إلى آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يخطف أبصارهم، ويعميها من شدته، فهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن، وصنيع الكافرين، والمنافقين معه.

فالمطر هو القرآن؛ لأنه حياة القلوب، كما أن المطر حياة الأرض، والظلمات في القرآن من ذكر الكفر، والشرك، والنفاق. والرّعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار، والبرق ما فيه من الهدى، والبيان، والوعد، وذكر الجنة، فالكافرون والمنافقون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن، وسماعه مخافة أن تميل قلوبهم إليه؛ لأن الإيمان به عندهم كفر، والكفر موت، وقيل غير ذلك. انتهى. وفي البيضاوي، والقرطبي ما يشبهه.

الإعراب: يكاد فعل مضارع ناقص. البرق: اسمه. يخطف: فعل مضارع، والفاعل يعود إلى البرق. أبصارهم: مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل نصب خبر يكاد، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها، وهي عند الزمخشري بمنزلة البدل من جملة ({يَجْعَلُونَ..}.) إلخ.

{كُلَّما:} (كلّ): ظرفية متعلقة بجوابها؛ إذ هي تحتاج إلى جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه. (ما): مصدرية توقيتية. {أَضاءَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>