من تبليغ الرسالة، وإنما أراد: أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة، والبغضاء، يكاد يسقطك. ومنه قولهم: نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني، أو يكاد يهلكني، ويدل على صحة هذا المعنى: أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن، وهو قوله تعالى:{لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ؛} لأنهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة، ويحدّون النظر إليه بالبغضاء، ويقولون، إنه لمجنون:
أي: ينسبونه إلى الجنون؛ إذا سمعوه يقرأ القرآن.
وفي الآية الكريمة دليل على أن العين إصابتها، وتأثيرها حقّ بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث النبوية الصحيحة: فعن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا رقية إلاّ من عين، أو حمة، أو دم لا يرقأ». أخرجه أبو داود. وعن بريدة بن الحصيب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا رقية إلاّ من عين، أو حمة». أخرجه ابن ماجه. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«العين حقّ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا». أخرجه مسلم. وعن ابن عباس أيضا: قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين، يقول:«أعيذكما بكلمات الله التامّة من كلّ شيطان، وهامّة، ومن كلّ عين لامّة». ويقول:«هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق، وإسماعيل عليهما السّلام». أخرجه البخاري، وأصحاب السنن.
وعن عبيد الله بن رفاعة الزرقي: أن أسماء بنت عميس-رضي الله عنها-قالت: يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال:«نعم، ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين». أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر».
هذا؛ ويروى: أن عامر بن ربيعة-رضي الله عنه-أصاب سهل بن حنيف بالعين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت؟! إنّ العين حقّ. توضأ له». ومعنى: ألا بركت، هلا قلت: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه، ومفهومه: أن التبريك يدفع أذى العين، ومن ذلك قولك: ما شاء الله كان، والصلاة والسّلام على الرسول يمنع ذلك أيضا، وفي قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم للعاين:«توضّأ» أمر له بالوضوء الكامل للصلاة في إناء، ثم يغتسل المصاب بماء الوضوء، فإنه شفاء له بإذن الله، وهذا إذا عرف العاين، وإذا لم يعرف؛ فالقرآن شفاؤه، أي: للمصاب، فتلاوة الفاتحة، والمعوذتين عليه شفاء له بإذن الله تعالى. هذا؛ ولا يفوتني أن أذكر: أنه لا يشترط أن يكون العاين فقيرا، أو فاسقا، أو كافرا، فقد يكون من أغنى الأغنياء، وقد يكون من أتقى الأتقياء:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}.
هذا؛ وقد أخذ جماهير العلماء بظاهر الأحاديث السابقة، فقالوا: العين حق، وأنكره طوائف من المبتدعة، والدليل على فساد قولهم: أن كل معنى ليس مخالفا في نفسه، ولا يؤدي