{الشُّهَداءِ} أي: ممن ترضون دينه، وخلقه، وأمانته، وهو ما يعبر عنه بالعدالة، وهي الاعتدال في الأحوال الدينية، وذلك يتمّ بأن يكون مجتنبا للكبائر، محافظا على مروءته، وغير مصرّ على الصغائر، ظاهر الأمانة غير مغفل هذا، وإذ قد شرط الله تعالى الرضا، والعدالة في المداينة، فاشتراطها عند الأئمّة في النّكاح أولى، خلافا لأبي حنيفة حيث قال: إنّ النّكاح ينعقد بشهادة فاسقين.
{وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ} أي: لا تملّوا أن تكتبوا الحقّ على أيّ حال كان من القلّة، والكثرة إلى أجله، قال الأخفش: يقال: سئمت، أسأم، سأما، وسآمة وسآما، وسأمة وسأما، قال زهير في معلقته رقم [٥٨]: [الطويل]
سئمت تكاليف الحياة، ومن يعش... ثمانين حولا-لا أبا لك-يسأم
وأقرب إلى اليقين وعدم الريبة؛ لأنكم ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه، فيفصل بينكم. {إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً..}. إلخ؛ أي: إذا كان البيع الحاضر يدا بيد؛ فلا حاجة إلى الكتابة لانتفاء المحذور، وهو التنازع، ومعنى {تُدِيرُونَها:} تعاطيها يدا بيد. {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ..}. إلخ: فلا بأس ولا مؤاخذة. {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ:} أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا، ناجزا، أو كالئا؛ لأنه أبعد من وقوع الاختلاف، وهو أمر ندب بلا شكّ، ولم يحك عن أحد ممن قال بالوجوب إلا الضّحاك. قال: وقد باع النبي صلّى الله عليه وسلّم وكتب، وقد باع ولم يشهد، واشترى، ورهن درعه عند يهودي، ولم يشهد، ولو كان الإشهاد واجبا؛ لوجب مع الرهن لخوف المنازعة.
{وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ:} يحتمل الفعل البناء للفاعل، والبناء للمفعول، فالمعنى على الأول: لا يدخل الكاتب، والشاهد الضّرر على صاحب الحق، والمدين بزيادة أو نقص. وعلى الثاني: لا يدخل الضرر من صاحب الحق والمدين على الكاتب، والشهيد، بأن يدعى الشّاهد إلى الشهادة، والكاتب إلى الكتابة، وهما مشغولان؛ فإن اعتذرا بعذرهما؛ أخرجهما وآذاهما، وقال: خالفتما أمر الله. ونحو هذا من القول الفظ، فيضربهما. هذا؛ وعلى الأول فأصل الفعل:(يضارر) وعلى الثاني، فأصله:(يضارر) بفتح الراء الأولى، والأول بكسرها، ومثله قوله تعالى في الآية رقم [٢٣٣]: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها}.
({إِنْ تَفْعَلُوا}) يعني: المضارّة {فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أي: معصية. فعن سفيان الثوري-رحمه الله تعالى-قال: فالكاتب، والشاهد يعصيان بالزيادة، والنقصان، وذلك في الكذب المؤذي في الأموال، والأبدان، وفيه إبطال الحق، وكذلك إذايتهما إذا كانا مشغولين معصية، وخروج عن الصّواب من حيث المخالفة لأمر الله.