{وَاتَّقُوا اللهَ..}. إلخ: وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علّمه، أي: يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه فرقانا؛ أي: فيصلا يفصل به بين الحق والباطل، ومنه قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٢٩]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً..}.
إلخ. هذا وكرّر لفظ الجلالة في الجمل الثلاث؛ لإدخال الرّوعة في القلوب، وتربية المهابة في النفوس.
فائدة: العلم نوعان: كسبيّ، ووهبيّ، أما الأول؛ فيكون تحصيله بالاجتهاد، والمثابرة والمذاكرة، وأما الثاني؛ فطريقه: تقوى الله، والعمل الصالح، كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}. وهذا العلم يسمّى العلم اللّدنّي، قال تعالى في سورة (الكهف) رقم [٦٦]:
{وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً} وهو العلم النافع الذي يهبه الله لمن يشاء من عباده المتقين، وإليه أشار الإمام الشّافعي رحمه الله تعالى بقوله:[الوافر]
شكوت إلى وكيع سوء حفظي... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنّ العلم نور... ونور الله لا يهدى لعاصي
تنبيه: الآية الكريمة في بيع السّلم، أو السّلف عبارتان في معنى واحد، وقد جاء في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، غير أن الاسم الخاص بهذا الباب: السّلم؛ لأن السّلف يقال على القرض، والسّلم بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق، مستثنى من نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بيع ما ليس عندك، وأرخص صلّى الله عليه وسلّم فيه؛ لأنه لمّا كان بيع معلوم في الذمّة، كان بيع غائب تدعو إليه ضرورة واحد من المتبايعين، فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثّمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبّانها لينفقه عليها، فظهر: أن بيع السلم من المصالح الحاجيّة، وقد سمّاه الفقهاء: بيع المحاويج، وللسّلم شروط متفق عليها، ومختلف فيها، وهي تسعة، ستّة في المسلم فيه، وثلاثة في رأس مال السّلم.
أما الستة التي في المسلم فيه؛ فأن يكون في الذمّة، وأن يكون موصوفا، وأن يكون مقدّرا، وأن يكون مؤجّلا، وأن يكون الأجل معلوما، وأن يكون موجودا عند محل الأجل، وأما الثلاثة التي في رأس مال السلم فأن يكون معلوم الجنس، وأن يكون مقدّرا، وأن يكون نقدا. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
وهذه الشروط في المذهب المالكي، وخذها في المذهب الشافعي، وهي ما يلي: قال أبو شجاع رحمه الله تعالى: ويصحّ السّلم حالا، ومؤجّلا فيما تكامل فيه خمسة شرائط: أن يكون مضبوطا بالصّفة، وأن يكون جنسا لم يختلط فيه غيره، ولم تدخله النار لإحالته، وأن لا يكون معينا، ولا من معين. ثمّ لصحة المسلم فيه ثمانية شرائط، وهو أن يصفه بعد ذكر جنسه، ونوعه