النار: التهابها، وتلظّيها: تلهّبها. هذا؛ والضمير في (إنها) للنار، ولم يسبق لها ذكر، ولكنها مفهومة من المقام، {نَزّاعَةً لِلشَّوى} أي: تنزع بشدة حرها جلدة الرأس من الإنسان، كلما قلعت؛ عادت كما كانت زيادة في التنكيل، والعذاب. وخصها بالذكر؛ لأنها أشد الجسم حساسية، وتأثرا بالنار، قال الأعشى: [مجزوء الكامل]
قالت قتيلة ما له؟ ... قد جلّلت شيبا شواته
وقال آخر: [الطويل]
لأصبحت هدّتك الحوادث هدّة... لها فشواة الرّأس باد قتيرها
وفي الصحاح: والشّوى: جمع شواة، وهي جلدة الرأس، والشوى: اليدان، والرجلان، والرأس من الآدميين. وكل ما ليس مقتلا، قال أبو ذؤيب الهذلي: [الطويل]
فإنّ من القول التي لا شوى لها... إذا زلّ عن ظهر اللسان انفلاتها
يقول: إن من القول كلمة لا تشوي، ولكن تقتل. وقال عنترة من معلقته-وهو البيت رقم [٣٤] -: [الكامل]
وحشيّتي سرج على عبل الشّوى... نهد مراكله نبيل المحزم
ومن شعر عمران بن حطان الخارجي على أن الشوى: القوائم، والجلود: [الطويل]
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم... بمثل الجمال الصّفر نزّاعة الشّوى
وقال بعض الأئمة: الشوى: القوائم والجلود، قال امرؤ القيس: [الطويل]
سليم الشّظى عبل الشّوى شنج النّسا... له حجبات مشرفات على الفال
هذا؛ والشوى: رذال المال. قال أعرابي، وقد نحر ناقة في شدة أصابتهم:
أكلنا الشّوى حتّى إذا لم ندع شوى... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع
{تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلّى} أي: تدعو، وتنادي لظى من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الإيمان، ودعاؤها أن تقول: إليّ يا مشرك! إليّ يا كافر! وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: تدعو الكافرين، والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح: إليّ يا كافر! إليّ يا منافق! ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب. وقال ثعلب: {تَدْعُوا:} تهلك، تقول العرب: دعاك الله، أي: أهلكك الله. وقال الخليل:
إنه ليس كالدعاء: «تعالوا»، ولكن دعوتها إياهم: تمكنها من تعذيبهم. وقيل: الداعي خزنة جهنم، أضيف دعاؤهم إليها. قال القرطبي: قلت: القول الأول هو الحقيقة حسب ما تقدم بيانه بآي القرآن، والأخبار الصحيحة. انتهى. وقيل: هو مجاز عقلي عن إحضارهم، كأنها تدعوهم، فتحضرهم. أو استعارة مكنية. ولا وجه له قطعا قطعا، بل هو حقيقة، كما قال القرطبي-رحمه الله تعالى-.