للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: انظر ما ذكرته في سورة (ق) [٣٠] وما بعدها تجد ما يسرك ويشرح صدرك.

{وَجَمَعَ فَأَوْعى} أي: جمع المال، فجعله في وعائه، ومنع منه حق الله تعالى، وتشاغل به عن طاعة الله، وزهى باقتنائه على الناس، وتكبر عليهم. وكان الحسن البصري-رحمه الله تعالى- يقول: يا ابن آدم! سمعت وعيد الله، ثم أوعيت الدنيا، والرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لأسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما-: «لا توعي؛ فيوعى عليك، ولا توكي فيوكى عليك، ولا تحصي فيحصي الله عليك». أخرجه الشيخان.

هذا؛ و «جمع» للذوات، و «أجمع» للمعاني، يقال: جمع المال، وجمع الرجال، ونحو ذلك، ولا يقال: أجمع المال، ويقال: أجمع الأمر: إذا عزم عليه، والأمر مجمع عليه، ويقال: أجمع أمرك، ولا تدعه منتشرا. قال تعالى حكاية عن قول فرعون، وأشياعه في الآية رقم [٦٤] من سورة (طه): {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}. ولا يقال: أجمع أعوانه، وشركاءه، وإنما يقال: جمع أعوانه، وأصدقاءه. وابن هشام قال في المغني: إن «أجمع» لا يتعلق بالذوات، بل بالمعاني، كقولك: أجمعوا على كذا، بخلاف جمع، فإنه مشترك بدليل قوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} رقم [٦٠] من سورة (طه)، وقوله جل شأنه في سورة (الهمزة): {الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ} وخذ قول الحارث بن حلزة اليشكري من معلقته رقم [٢٠] وهو ل‍: «أجمع» في المعاني: [الخفيف]

أجمعوا أمرهم عشاء فلمّا... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

هذا؛ وأما قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، حكاية عن قول نوح-عليه السّلام-: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}. فهو على تقدير: فأجمعوا أمركم، وادعوا شركاءكم. أو يقال: سوغ ذلك العطف، ولولا العطف؛ لما ساغ. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع وزجر، وهي هنا تحتمل أن تكون بمعنى: حقا، وعليه: تمام الكلام قوله تعالى: {يُنْجِيهِ،} وتحتمل أن تكون بمعنى: (لا) النافية، وعليه فتمام الكلام عليها، والوقف عليها تام، ويكون المعنى: ليس ينجيه من عذاب الله الافتداء. {إِنَّها:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، (وها): اسمها. {لَظى:} خبرها مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية مبتدأة لا محل لها من الإعراب. {نَزّاعَةً:} يقرأ بالرفع والنصب، فالرفع فيه خمسة أوجه: أحدها: أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف، التقدير: هي نزاعة. الثاني: أن تكون خبرا ثانيا ل‍: (إنّ)، والثالث أن تكون بدلا من {لَظى،} والرابع: أن تكون {لَظى} بدلا من اسم (إنّ)، ونزاعة خبر (إنّ)، والخامس: اعتبار {لَظى} مبتدأ، و {نَزّاعَةً} خبرها، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ) وعليه: فالضمير ضمير القصة، والمعنى: إن القصة، والخبر لظى نزاعة للشوى. انتهى. قرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>