{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً} رقم [١٤] من سورة (العنكبوت) يدعو قومه إلى الله، ومع طول هذه المدة لم يؤمن معه إلا قليل، كما قص علينا القرآن الكريم:{وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ} رقم [٤٠] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وقد أفرد القرآن الكريم قصته في هذه السورة من بدء الدعوة إلى نهايتها، حيث أهلك الله قومه بالطوفان، وهو أحد الرسل العظام من أولي العزم، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله، وسلامه عليهم أجمعين.
{أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ:} أمر بعبادة الله، وتقواه، وطاعته، أما العبادة؛ فهي غاية الخضوع، والتذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولذا يحرم السجود لغير الله تعالى. هذا؛ وقيل: العبودية أربعة: الوفاء بالعهود، والرضا بالموجود، والحفظ للحدود، والصبر على المفقود.
هذا؛ والله علم على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، وهو اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. وإنما تخلفت الإجابة في بعض الأحيان عند الدعاء به؛ لتخلف شروط الإجابة؛ التي أعظمها أكل الحلال. ولم يسم به أحد سواه، قال تعالى في سورة (مريم) رقم [٦٥]: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي: هل أحد تسمى الله غير الله؟! وقد ذكر في القرآن الكريم في ألفين وثلاثمائة وستين موضعا.
(اتقوه): خافوا عقابه، وانتقامه. هذا؛ والتقوى حفظ النفس من العذاب الأخروي بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ لأن أصل المادة من الوقاية، وهي الحفظ، والتحرز من المهالك في الدنيا والآخرة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٣] من سورة (الحجرات) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {وَأَطِيعُونِ:} فيما آمركم به، وأنهاكم عنه، فإني رسول الله إليكم، وإنما أضافها إلى نفسه؛ لأن الطاعة قد تكون لغير الله تعالى بخلاف العبادة، فإنها لا تكون إلا لله عز وجل.
{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} أي: جميع ذنوبكم على اعتبار {مِنْ} صلة في الإيجاب، وهذا يجيزه الأخفش. وقيل: لا يصح اعتبارها صلة، وهي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين. وقيل: هي على أصلها، وذلك أن الله يغفر من الذنوب ما كان قبل الإسلام، فإذا أسلموا، وانقادوا لشريعة نوح عليه السّلام جرت عليهم أحكام شريعته. ومثل هذه الآية الآية رقم [٣١] من سورة (الأحقاف)، انظرها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي: ينسئ في أعماركم، ومعناه أن الله تعالى كان قد قضى قبل خلقهم: أنهم إن آمنوا؛ بارك في أعمارهم، وإن لم يؤمنوا؛ عوجلوا بالعذاب، والعقاب. أقول: فيكون هذا من القضاء المعلق. انظر ما ذكرته في سورة (الرعد) رقم [٤١] ويشير له هلاك الكافرين منهم بالغرق، ونجاة المؤمنين منهم بواسطة