للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفينة، وبقاؤهم إلى انتهاء آجالهم، وهو ما وقع، وحصل. وقال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى آجالكم في عافية، فلا يعاقبكم بالقحط، وغيره، فالمعنى على هذا يؤخركم من العقوبات، والشدائد إلى انتهاء آجالكم. وعلى هذا قيل: {أَجَلٍ مُسَمًّى} عندكم تعرفونه، لا يميتكم غرقا، ولا حرقا، ولا قتلا. ذكره الفراء، وعلى القول الأول: {أَجَلٍ مُسَمًّى} عند الله.

{إِنَّ أَجَلَ اللهِ} أي: الأجل الذي قدره، وقضاه. {إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ} أي: إذا جاء الأجل المقدر عند الله لا يؤخر، فبادروا بالإيمان قبل الموت؛ تسلموا من العذاب. قال الزمخشري:

فإن قلت: كيف قال: {وَيُؤَخِّرْكُمْ} مع الإخبار بامتناع تأخير الأجل، وهل هذا إلا تناقض؟ قلت: قضى مثلا: أن قوم نوح إن آمنوا؛ عمرهم ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم؛ أهلكهم الله على رأس تسعمائة سنة، فقيل لهم: آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى، أي: إلى وقت سماه الله، وضربه أمدا تنتهون إليه، لا تتجاوزونه، وهو الوقت الأطول تمام الألف، ثم أخبر: أنه إذا جاء ذلك الأجل لا يؤخر، كما يؤخر هذا الوقت، ولم تكن لكم حيلة، فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير عنكم، وحيث يمكنكم الإيمان. انتهى.

تنبيه: قال تعالى هنا: {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} ومثله في سورة (النحل) رقم [٦١] وغيرها كثير، وقال تعالى في كثير من السور: {لِأَجَلٍ مُسَمًّى} فإن قلت: أهو من تعاقب الحرفين؟ قلت: كلاّ، ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع، ضيق العطن، ولكنّ المعنيين؛ أعني الانتهاء، والاختصاص كل منهما ملائم لصحة الغرض؛ لأن قولك: «يجري إلى أجل مسمى» معناه:

يبلغه، وينتهي إليه. وقولك: «يجري لأجل مسمّى» تريد: لإدراك أجل مسمّى، وتجعل الجري مختصا بآخر الشهر، فكلا الموضعين غير ناب به موضعه، انتهى. كشاف في غير هذا الموضع.

الإعراب: {قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (نوح)، تقديره: «هو». (يا): أداة نداء تقوم مقام أدعو. (قوم): منادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة، وحذف الياء هذه إنما هو بالنداء خاصة؛ لأنه لا لبس فيه، ومنهم من يثبت الياء ساكنة، فيقول: (يا قومي)، ومنهم من يثبتها ويحركها بالفتحة، فيقول: (يا قومي)، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ما قبلها، فيقول: (يا قوما)، ومنهم من يحذف الياء بعد قلبها ألفا، وإبقاء الفتحة على الميم دليلا عليها، فيقول: (يا قوم).

قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]

واجعل منادى صحّ إن يضف ليا... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا

ويزاد سادسة، وهي لفظ القطع (يا قوم) بضم الميم، ففي الحديث الشريف، «يقول: يا ربّ، يا ربّ». وقرئ في سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:

(قال ربّ السجن أحبّ إليّ) رقم [٣٣]. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم ضمير متصل

<<  <  ج: ص:  >  >>