للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتسعمائة سنة، وذكرت أيضا: أن الطوفان ابتدأ في السنة الأولى بعد ستمئة سنة من ولادة نوح عليه السّلام، وذكرت كثيرا من الأنبياء، وغيرهم، وأنهم عمروا عمرا طويلا، ونحن لا نجد معمرا يعمر مثل هذا العمر، أو نصفه، أو ربعه من زمن طويل، وهؤلاء الفراعنة في مصر نجد أجسامهم كأجسام أهل هذه الأيام، وأعمارهم لا تختلف عن أعمارنا، وقد مر لهم أربعون قرنا، أو أكثر، فكيف يكون ذلك؟.

والذي أراه: أنه لا مانع من أن يعمر آدم، ومن قرب منه أعمارا طويلة؛ لأن النوع الإنساني كان في بدء نشأته لم يحمل هموما، ولم تعتوره الأمراض المختلفة، ولم تنهك قوته الأطعمة، التي لا يقدر على هضمها، فكان من المعقول أن يعيش طويلا، وأما نحن، وأمثالنا ممن كانوا قبل أربعين قرنا، فقد جئنا بعد أن أنهكت النوع الإنساني الأمراض، وطحنته الأدواء، فالواحد منا عصارة لآلاف الأمراض، التي انتابت آباءه، وأمهاته، فلم تعد قوانا تتحمل العمر الطويل.

وعند العلماء بالطب، والأحوال الاجتماعية: أن الإنسان قواه محدودة، والحياة العريضة تستنفذها بسرعة بخلاف الحياة الضيقة، فإنها تكون طويلة لقلة ما يستنفذ من قوى الأجسام بتلك الحياة، فنحن الآن لا نعيش عيشة البساطة، التي كان يعيشها آدم، ومن قرب منه، بل نتفنن في أنواع الطعام، ولذائذ المعيشة بما ينهك قوانا، فلا غرابة أن تكون أعمارنا قصيرة، وقد اجتمعت عليها الأمراض المتوارثة، والتبسط في العيش. ويقول بعض الأطباء الألمان: إن إنسان هذا الزمان يمكن أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا اتبع نظاما خاصا.

وهناك رأي آخر، وهو أن الأقوام الأولين كانوا يعدون كل شهر عاما، فإذا قالوا ألفا ومئتي سنة، فإنما يعنون مئة عام من أعوامنا، وقد أشار إلى ذلك المعري بقوله: [الخفيف]

ورووا للمعمّرين أمورا... لست أدري ما هنّ في المشهور؟

أتراهم فيما تقضّى من الأيا... م عدّوا سنيهم بالشهور

كلما لاح للعيون هلال... كان عاما لديهم في الدّهور

هكذا ينبغي وإلاّ فإنّ ال‍... عقل ينثني في حالة المبهور

ولكني متمسك برأيي، وهو الأول، وإن كان بعض الأطباء يرى الإصابة بالأمراض تورث نسلهم مناعة. انتهى بحروفه.

أقول وبالله التوفيق: كل ما ذكره مردود عليه، أولا ما قاله المعري باطل لا أساس له بشيء من الصحة، فما يقول المعري وغيره في قوله تعالى في حق أصحاب الكهف في سورة (الكهف) رقم [٢٥]: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} لا تحتمل الآية الكريمة ما ادعاه المعري، وكذلك قوله تعالى الصريح: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً} والسنة، والعام،

<<  <  ج: ص:  >  >>