عوف، وكثير من الأنصار كانوا على جانب عظيم من الثّراء. فكيف رضي المسلمون بهذا الرّهن، ولا سيّما بعد أن تفوه اليهوديّ بما تفوّه به، لا أجد تفسيرا لذلك؛ إلا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يضرب مثلا لحلّ معاملة أهل الكتاب بالبيع، والشّراء، والرّهن، وغير ذلك من أنواع المعاملات. والله أعلم.
هذا؛ والرهن: احتباس العين وثيقة بالحقّ، ليستوفى الحقّ من ثمنها، أو من ثمن منافعها عند تعذّر أخذه من الغريم. وهو في اللّغة بمعنى الدّوام، والثبوت، والاستمرار.
هذا؛ وبما أن الرّهن وثيقة لوفاء الدّين، لا يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون، فقد أخرج الدّارقطني عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يغلق الرّهن، ولصاحبه غنمه وعليه غرمه»، المعنى: لصاحبه منفعته، وعليه نفقته، ومصروفه. قال ابن عبد البر: وقد أجمعوا: أنّ لبن الرهن، وظهره للرّاهن. هذا وغلق الرّهن في يد مرتهنه: إذا لم يفتكّ. قال الشاعر: [الطويل]
أجارتنا من يجتمع يتفرّق... ومن يك رهنا للحوادث يغلق
وقال زهير بن أبي سلمى: [البسيط]
وفارقتك برهن لا فكاك له... يوم الوداع فأمسى الرّهن قد غلقا
{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} أي: فإن كان الّذي عليه الحقّ أمينا عند صاحب الحقّ، ولم يرتهن منه شيئا لحسن ظنه به. {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ} المعنى: فليؤد المدين الّذي عليه الحقّ، والذي كان أيضا في ظنّ الدّائن، الذي هو صاحب الحقّ أمينا، {أَمانَتَهُ} أي: حقّه، وسمى الدّين: أمانة-وإن كان مضمونا-لائتمانه عليه؛ حيث أمن من جحوده، فلم يكتب، ولم يشهد عليه، ولم يأخذ منه رهنا، وهذا حثّ للمدين على أن يكون عند حسن ظنّ الدائن الذي ائتمنه، وأن يؤدي إليه حقّه، الذي ائتمنه عليه.
{وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} أي: المدين في أداء الحقّ عند حلول الأجل من غير مماطلة، ولا جحود، بل يعامله معاملة حسنة، كما أحسن ظنّه فيه، وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أخذ أموال النّاس، يريد أداءها؛ أدّى الله عنه، ومن أخذ أموال النّاس يريد إتلافها؛ أتلفه الله». رواه البخاريّ، وغيره.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا!.
قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله وكيلا! قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمّى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبه يقدم عليه للأجل الذي أجّله، فلم يجد