للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طمعا في جنة، ولا خوفا من نار، وإنما هي شكر لله على ما أنعم عليه من نعم كثيرة، أجلها الرسالة إلى الخلق أجمعين. والشكر يستوجب المزيد من النعم. قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.

ومعلوم أن تفطّر قدميه صلّى الله عليه وسلّم وتورّم قدميه-كما في رواية أخرى-لم يكن من كثرة السجود، والركوع، والقيام، والقعود. لا، وإنما هو من إطالة القيام، والركوع، وغيرهما. فقد روي: أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم الليل بأربع ركعات، يقرأ في الركعة الأولى سورة (البقرة)، وفي الثانية سورة (آل عمران)، وفي الثالثة سورة (النساء)، وفي الرابعة سورة (المائدة) وركوعه كان بمقدار خمسين آية، وسجوده بمقدار سبعين آية.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحبّ الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف اللّيل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما». رواه الستة.

{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} أي: اقرأه بترتيل، وتؤدة، وتبيين حروف، وإشباع حركات، بحيث يتمكن السامع من عدها. قال مجاهد: أحب الناس في القراءة إلى الله أعقلهم عنه. والترتيل:

التنضيد، والتنسيق، وحسن النظام، ومنه ثغر رتل بكسر التاء وفتحها: إذا كانت أسنانه حسنة التنضيد والنظام، وقال أبو بكر بن طاهر: تدبّر في لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه.

وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بقارئ القرآن يوم القيامة، فيوقف في أول درج الجنة، ويقال له: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها». أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقّ، له أجران». رواه الستة.

هذا؛ وقيل: الترتيل: هو التوقف، والترسل، والتمهل، والتفهم، وتبيين القراءة حرفا حرفا، أثره في أثر بعض. وقيل: إن الله لما أمر بقيام الليل أتبعه بترتيل القرآن، حتى يتمكن المصلي من حضور القلب، والتأمل، والتفكر في حقائق الآيات، ومعانيها، فعند الوصول إلى ذكر الله تعالى يستشعر بقلبه عظمة المذكور، وجلاله. وعند ذكر الوعد، والوعيد يحصل الرجاء، والخوف. وعند ذكر القصص والأمثال يحصل الاعتبار، فيستنير القلب عند ذلك بنور المعرفة. والإسراع في القراءة لا يحصل فيها ذلك، فظهر بذلك: أن المقصود من الترتيل، إنما هو حضور القلب عند القراءة.

وعن أم سلمة-رضي الله عنها-، وقد سألها يعلى بن مالك عن قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلاته، فقالت: مالكم وصلاته؟ ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا.

أخرجه النسائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>