للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: والله ما يتقي من كفر بالله ذلك اليوم بشيء. هذا؛ وانظر شرح التقوى في الآية رقم [٣] من سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

{يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً:} فإسناد الجعل إلى اليوم مجاز عقلي؛ لأن اليوم محل جعلهم شيبا فالجعل المذكور واقع في اليوم، والجاعل حقيقة هو الله تعالى، ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٢]: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً} فإسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي؛ لأنها سبب في الزيادة، والذي يزيد حقيقة هو الله تعالى، وانظر الآية رقم [٢٤] من سورة (نوح) فهو مثله.

هذا؛ ويصير الولدان شيبا حين يقال لآدم-عليه الصلاة والسّلام-: قم فابعث بعث النار من ذريتك. فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك، وسعديك، والخير في يديك! فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعث النار. قال: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد؛ فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم». قالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أبشروا فإنّ من يأجوج ومأجوج تسعمئة وتسعة وتسعين، ومنكم واحدا»، ثم قال: «أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة!» فكبرنا، ثم قال: «ثلث أهل الجنة!» فكبرنا، ثم قال: «شطر أهل الجنة! فكبرنا». متفق عليه.

هذا؛ وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي: جعل الولدان شيبا مثل في الشدة، يقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأطفال. والأصل فيه: أن الهموم، والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان؛ أسرع فيه الشيب. قال أبو الطيب المتنبي: [الكامل]

والهمّ يخترم الجسيم نحافة... ويشيب ناصية الصبيّ فيهرم

ثم قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب، وأصبح، وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة، فسئل عن ذلك، فقال:

أريت القيامة، والجنة، والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار، فمن هول ذلك أصبحت، كما ترون.

هذا؛ والشيب، والشيبة بياض الشعر، والمشيب عبارة عن الحيوان في زمان تكون قوته فيه غير غريزية. أما الشباب فهو الزمن الذي تكون فيه حرارة الحيوان الغريزية مشبوبة، أي: قوية مشتعلة. هذا قول الأصمعي، وقال الجوهري: الشيب، والمشيب بمعنى واحد، وخذ ما يلي لتروح عن نفسك، فقد قال أبو الطيب المتنبي: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>