للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انظر ما ذكرته في شأن «الصور» والنافخ فيه، وهو إسرافيل-عليه السّلام-في الآية رقم [١٣] من سورة (الحاقة) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وأذكر هنا قوله تعالى في سورة (ق) رقم [٤١]: {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} فالمنادي هو إسرافيل عليه السّلام، ونداؤه في الحشر فيقول: أيتها العظام البالية! أيتها الأوصال المتقطعة! أيتها اللحوم المتمزقة! أيتها الشعور المتفرقة! إن الله يأمركنّ أن تجتمعن لفصل القضاء.

{فَذلِكَ} أي: وقت النقر، أي: النفخ في الصور. {يَوْمٌ عَسِيرٌ} أي: شديد. {عَلَى الْكافِرِينَ:}

على من كفر بالله، وكتابه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء، والقدر خيره، وشره. {غَيْرُ يَسِيرٍ} أي: غير سهل، ولا هين، وذلك؛ لأن عقدهم لا تنحل إلا إلى عقدة أشد منها، ولا يجتازون عقبة إلا وبعدها أصعب منها، بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين، فإن عقدهم تنحل إلى ما هو أخف منها؛ حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى.

قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: فما فائدة قوله: {غَيْرُ يَسِيرٍ} و {عَسِيرٌ} مغن عنه؟ قلت: لما قال: {عَلَى الْكافِرِينَ} فقصر العسر عليهم؛ قال: {غَيْرُ يَسِيرٍ} ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا؛ ليجمع بين وعيد الكافرين، وزيادة غلظهم، وبشارة المؤمنين، وتسليتهم. ويجوز أن يراد: أنه عسير، لا يرجى أن يرجع يسيرا، كما كان يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا، بل إنهم يناقشون الحساب، وتسود وجوههم، ويحشرون زرقا، ويفتضحون على رؤوس الأشهاد.

وعن أبي حيان؛ قال: أمّنا زرارة بن أوفى قاضي البصرة في صلاة الصبح، فقرأ هذه السورة، فلما وصل إلى قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ..}. إلخ، شهق شهقة، ثم خر ميتا -رحمه الله-. هذا؛ والتعبير عن النفخ وعن الصور بالنقر في الناقور، لبيان هول الأمر، وشدته، فإن النقر في كلام العرب معناه: الصوت، وإذا اشتد الصوت؛ أصبح مفزعا. وينبغي أن تعلم أن الله تعالى لما ذكر ما يتعلق بإرشاد النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر بعده وعيد الأشقياء بقوله: {فَإِذا نُقِرَ..}. إلخ.

{يَوْمَئِذٍ:} التنوين ينوب عن جملة محذوفة دلت عليها الغاية، أي: يوم ينقر في الناقور، و (إذ) مضافة لهذه الجملة، فحذفت الجملة الفعلية، وعوض عنها التنوين، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين، كما كسرت الهاء في: صه، ومه عند تنوينهما، ومثل ذلك قل في: حينئذ، وساعتئذ، ونحوهما. قال تعالى في سورة (الواقعة) رقم [٨٤]: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أي: حين إذ بلغت الروح الحلقوم تنظرون.

{غَيْرُ:} اسم شديد الإبهام، فلا يتعرف بالإضافة لمعرفة، وغيرها، وهو ملازم للإضافة، ويجوز أن يقطع عنها؛ إن فهم المعنى، أو تقدمت كلمة ليس عليها، يقال: قبضت عشرة ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>