إذا ركبت فاجعلوني وسطا... إنّي كبير لا أطيق العنّدا
وقال أبو صالح: عنيدا معناه: مباعدا. قال الشاعر:[الطويل]
أرانا على حال تفرّق بيننا... نوى غربة إنّ الفراق عنود
وعرق عاند: إذا لم يرقأ دمه، وجمع العنيد: عند مثل رغيف، ورغف. {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً:}
سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها، والإرهاق في كلام العرب: أن يحمل الإنسان على الشيء. و «الصّعود: جبل من نار يتصعّد فيه الكافر سبعين خريفا، ثم يهوي به كذلك فيه أبدا».
رواه أبو سعيد الخدري-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى:{سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} قال: «هو جبل من نار يكلّف أن يصعده، فإذا وضع يده؛ ذابت، فإذا رفعها؛ عادت، وإذا وضع رجله؛ ذابت، فإذا رفعها؛ عادت، يصعد سبعين خريفا، ثم يهوي كذلك». ورواه الترمذي، وأحمد، والحاكم.
أما القول في {كَلاّ} فإني أنقله لك بحروفه من مغني اللبيب لابن هشام-طيب الله ثراه- لتكون على بصيرة من أمرك. قال-رحمه الله تعالى-: وهي عند سيبويه، والخليل، والمبرد، والزجاج، وأكثر البصريين حرف معناه: الردع، والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك؛ حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها، والابتداء بما بعدها، وحتى قال جماعة منهم: متى سمعت {كَلاّ} في سورة فاحكم بأنها مكية. وفيه نظر؛ لأن لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتوّ بها، لا عن غلبته، ثم لا تمتنع الإشارة إلى عتوّ سابق. ثم لا يظهر معنى الزجر في {كَلاّ} المسبوقة بنحو قوله تعالى في سورة (الانفطار): {فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاّ} وقوله جل شأنه: {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلاّ،} سورة (المطففين)، وقوله تعالت حكمته: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاّ..}. إلخ، سورة (القيامة).
وقولهم: المعنى انته عن ترك الإيمان بالتصوير في أي: صورة ما شاء الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن تعسف؛ إذ لم يتقدم في الأولين حكاية نفي ذلك عن أحد، ولطول الفصل في الثالثة بين كلاّ وذكر العجلة، وأيضا فإن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة (العلق)، ثم نزل قوله تعالى:{كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى}(٦) فجاءت في افتتاح الكلام، الوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا كلها في النصف الأخير، وذلك في خمس عشرة سورة منه، وكلها مكية. قال الديربي في تفسيره المنظوم:[الطويل]
وما نزلت كلاّ بيثرب فاعلمن... ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما: أن معنى الردع، والزجر ليس مستمرا فيها، فزادوا فيها معنى ثانيا، يصح أن يوقف دونها، ويبتدأ بها، ثم اختلفوا في تعيين ذلك على ثلاثة أقوال: