للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: للكسائي، ومتابعيه. قالوا: تكون بمعنى حقا. والثاني: لأبي حاتم، ومتابعيه. قالوا:

تكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية. والثالث: للنضر بن شميل، والفراء، ومن وافقهما. قالوا:

تكون حرف جواب بمنزلة: إي، ونعم، وحملوا عليه قوله تعالى: {كَلاّ وَالْقَمَرِ..}. إلخ الآتي في هذه السورة، فقالوا: معناه: إي والقمر.

وقول أبي حاتم عندي أولى من قولهما؛ لأنه أكثر اطرادا، فإن قول النضر لا يتأتّى في آيتي (المؤمنون) و (الشعراء) على ما سيأتي. وقول الكسائي لا يتأتّى في نحو قوله تعالى: {كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} وقوله جل شأنه: {كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ} وقوله تعالت حكمته:

{كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} الآيات الثلاث من سورة (المطففين)؛ لأن همزة (أنّ) تكسر بعد «ألا» الاستفتاحية، ولا تكسر بعد: «حقا»، ولا بعد ما كان بمعناها، ولأن تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم. وأما قول مكي: إن {كَلاّ} على رأي الكسائي اسم إذا كانت بمعنى حقا؛ فبعيد؛ لأن اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية قليل، ومخالف للأصل، ومحوج لتكلف دعوى علة لبنائها، وإلا؛ فلم نوّنت؟!.

وإذا صلح الموضع للردع، ولغيره؛ جاز الوقف عليها، والابتداء بها على اختلاف التقديرين. والأرجح حملها على الردع؛ لأنه الغالب فيها، وذلك نحو قوله تعالى في سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ،} وقوله جل شأنه فيها أيضا: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}.

وقد تتعين للردع، أو الاستفتاح، نحو قوله تعالى في سورة (المؤمنون): {قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها} لأنها لو كانت بمعنى حقا؛ لما كسرت همزة (إنّ)، ولو كانت بمعنى نعم لكانت للوعد بالرجوع؛ لأنها بعد الطلب، كما يقال: أكرم فلانا، فتقول: نعم، ونحو قوله تعالى في سورة (الشعراء): {فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} وذلك لكسر (إنّ)، ولأن نعم بعد الخبر للتصديق.

وقد يمتنع كونها للزجر، نحو قوله تعالى الآتي في هذه السورة: {وَما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاّ وَالْقَمَرِ} إذ ليس قبلها ما يصح رده. وقول الطبري، وجماعة: إنه لما نزل في عدد خزنة جهنم قوله تعالى: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} قال بعضهم: اكفوني اثنين، وأنا أكفيكم سبعة عشر فنزل: {كَلاّ وَالْقَمَرِ} (٣٢) زجرا له هو قول متعسّف، أو تعسّف؛ لأن الآية لم تتضمن ذلك. انتهى. مغني.

أقول: ويتلخص من هذا أن الأكثر في {كَلاّ} أن تكون حرف ردع زجر، وذلك إذا سبقها كلام يستدعي ذلك، ولا ردع في سورة (الانفطار)، ولا في سورة (العلق)، ولا في سورة (المطففين)، وما جرى مجراهن، وإنما هي للتنبيه، والاستفتاح كما هو واضح، وتكون بمعنى: إي، أي: حرف

<<  <  ج: ص:  >  >>