للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضل طعامهما! فغضب الوليد، وقال: ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا، وولدا؟ وهل شبع محمد، وأصحابه من الطعام حتى يكون لهم فضل طعام؟!.

ثم قام مع أبي جهل الخبيث حتى أتى مجلس قومه، فقال لهم: تزعمون أن محمدا مجنون؛ فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا: اللهم لا! قال: تزعمون: أنه كاهن؛ فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا: اللهم لا! قال: تزعمون: أنه شاعر، فهل رأيتموه ينطق بالشعر قط؟ قالوا: اللهم لا! قال: تزعمون: أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟! قالوا: اللهم لا! (كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يسمى قبل النبوة الأمين لصدقه) فقالت قريش للوليد: فما هو؟ فتفكر في نفسه، ثم قال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل، وأهله، وولده، ومواليه، فهو ساحر، وما يقوله سحر يؤثر. فذلك قوله عز وجل: {إِنَّهُ فَكَّرَ} أي: في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم والقرآن، {وَقَدَّرَ} في نفسه ماذا يمكنه أن يقوله في شأنه صلّى الله عليه وسلّم والقرآن. انتهى. خازن. ومثله في الكشاف، والقرطبي، وغيرهما، وانظر ما ذكرته بشأن الوليد في سورة (ن) رقم [١٠] وما بعدها. ويشبه هذا ما ذكرته بشأن عتبة بن ربيعة في صدر سورة (فصلت)، انظر رقم [١٣] منها.

{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} أي: لعن كيف قدر؟! وقال بعضهم، معناه: قهر، وغلب. وكل مذلّل مقتّل. قال امرؤ القيس في معلقته رقم [٣٠]: [الطويل]

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي... بسهميك في أعشار قلب مقتّل

قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: تعجيب من تقديره، وإصابته فيه المحزّ ورميه الغرض الذي كانت تنتحيه قريش. أو ثناء عليه على طريقة الاستهزاء به، على معنى قول القائل: قتله الله ما أشجعه! وأخزاه الله ما أشعره! للإشعار بأنه قد بلغ المبلغ، الذي هو حقيق بأن يحسد، ويدعو عليه حاسده بذلك، والجملة الثانية تأكيد للأولى.

{ثُمَّ نَظَرَ:} بأي: شيء يرد الحق، ويدفعه؟ {ثُمَّ عَبَسَ} أي: كلح. {وَبَسَرَ:} قطب بين عينيه كالمتهم المتفكر في شيء يدبره. وقيل: كلح وجهه، وتقطب جبينه في وجوه المؤمنين، ومنه قوله تعالى في سورة (القيامة): {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ} ومنه قول بشر بن أبي خازم: [المتقارب]

صبحنا تميما غداة الجفار... بشهباء ملمومة باسره

وقال توبة بن الحمير صاحب ليلى الأخيلية: [الطويل]

وقد رابني منها صدود رأيته... وإعراضها عن حاجتي وبسورها

وقيل: إن ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة، وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة.

{ثُمَّ أَدْبَرَ} أي: ولى، وأعرض ذاهبا إلى أهله. {وَاسْتَكْبَرَ} أي: عن الإيمان حين دعي إليه. {فَقالَ إِنْ هذا} أي: ما هذا الذي أتى به محمد صلّى الله عليه وسلّم. {إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} أي: سحر يأثره، وينقله عن غيره.

{إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ} أي: ما هذا إلا كلام المخلوقين، تنخدع به القلوب كما تنخدع بالسحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>