للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى لي قبر لا يزال مقابلي... وضربة فأس فوق رأسي فاقره

تنبيه: الآيتان الأوليان تصرحان برؤية الله يوم القيامة، وهذا ما يراه علماء السنة من أن رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله سبحانه وتعالى دون الكافرين بدليل قوله تعالى في سورة (المطففين): {كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}. قال الإمام مالك-رحمه الله تعالى-: لما حجب أعداءه، فلم يروه؛ تجلى لأوليائه؛ حتى رأوه، ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكافرون بالحجاب. وقال الإمام الشافعي-رحمه الله تعالى-: لما حجب قوما بالسخط؛ دل على أن قوما يرونه بالرضا، ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس بأنه يرى ربه في الميعاد؛ لما عبده في الدنيا.

وهذا كلام المدللين. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ..}. إلخ، رقم [٢٦]، وقال تعالى في سورة (ق) رقم [٣٥]: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} وأخيرا لا تنس المقابلة اللطيفة بين نضارة وجوه المؤمنين، وكلاحة وجوه المجرمين.

هذا؛ وزعمت طوائف أهل البدع كالمعتزلة، والخوارج، وبعض المرجئة: أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا في الدنيا، وفي الآخرة، واستدلوا بقوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٠٣]: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وهذا الذي قالوه خطأ صريح، وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى، وقد رواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مسطورة في كتب أهل الكلام من أهل السنة.

ثم مذهب أهل الحق: أن الرؤية قوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي، ولا غير ذلك، وأما الأحاديث الواردة في إثبات الرؤية، فمنها ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعيمه، وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّة». ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أخرجه الترمذي.

وعن جرير بن عبد الله-رضي الله عنه-قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: «إنكم سترون ربّكم عيانا، كما ترون القمر، لا تضامّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها؛ فافعلوا». ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها» متفق عليه.

وعن صهيب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أهل الجنة الجنّة؛ يقول الله عز وجل: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجّينا من

<<  <  ج: ص:  >  >>