تكرارها. ذكر ذلك ابن هشام-رحمه الله-في المغني. وانظر الشاهد رقم [٤٤٣] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» وما بعده تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ و (لا) هنا بمعنى: لم؛ إذ المعنى لم يصدق، ولم يصل، والعرب تقول: لا ذهب، ولا جاء، أي: لم يذهب، ولم يجئ، فحرف النفي ينفي الماضي، كما ينفي المستقبل، ومنه قول زهير في معلقته رقم [٤٠]: [الطويل]
وكان طوى كشحا على مستكنّة... فلا هو أبداها، ولم يتقدّم
{وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى} أي: كذب بالقرآن، وتولى عن الإيمان. هذا؛ والتولي، والإعراض، والإدبار عن الشيء يكون بالجسم، ويستعمل في الإعراض عن الأمور المعنوية، والاعتقادات اتساعا، ومجازا. {ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى} أي: يتبختر، ويختال في مشيته افتخارا، وإعجابا بنفسه، من: المطا، وهو الظهر. والمعنى يلوي مطاه تبخترا في مشيته، أصله يتمطّط من تمطّط، أي: تمدد، ومن لازم التبختر ذلك، فهو يقرب من معنى الأول، ويفارقه في مادته؛ إذ مادة الأول (م ط و) ومادة الثاني (م ط ط) وإنما أبدلت الطاء الثالثة ياء كراهة اجتماع الأمثال، ثم قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. والمطيطاء: التبختر، ومد اليدين في المشي، وفي الخبر:«إذا مشت أمّتي المطيطاء، وخدمتهم فارس، والروم كان بأسهم بينهم» والمطيط، والمطيطة: الماء الخاثر في أسفل الحوض؛ لأنه يتمطط، أي: يتمدد، والمطيطاء من المصغرات، التي لم يستعمل لها مكبر.
{أَوْلى لَكَ فَأَوْلى..}. إلخ: تهديد بعد تهديد، ووعيد بعد وعيد، أي: فهو وعيد أربعة لأربعة، كما روي: أنها نزلت في أبي جهل، الجاهل بربه، فقال تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى} أي: لا صدق رسول الله، ولا وقف بين يدي الله فصلى، ولكن كذب رسول الله، وتولى عن التصلية بين يديه تعالى، فترك التصديق خصلة، والتكذيب خصلة، وترك الصلاة خصلة، والتولي عن الله تعالى خصلة، فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة.
وفي أسباب النزول للسيوطي: وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: لما نزل: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} قال أبو جهل الخبيث: ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن أبي كبشة: أن خزنة جهنم تسعة عشر، وأنتم الدهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟! فأوحى الله إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي أبا جهل، فيقول:{أَوْلى لَكَ..}. إلخ.
وأخرج النسائي عن سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: أنه سأل ابن عباس-رضي الله عنهما- عن قوله:{أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} أشيء قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبل نفسه، أم أمره الله به؟ قال: بل قاله من قبل نفسه، ثم أنزله الله. انتهى. ولا تنس: أن الله تعالى صرعه شر صرعة، وقتله شر قتلة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول:«إن لكل أمة فرعونا، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل».
وروي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج من المسجد ذات يوم، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد مما يلي باب بني مخزوم، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، فهزه مرة، أو مرتين، ثم قال له:{أَوْلى لَكَ}