الأول: الضمير، وعلى الاعتبارين الأخيرين؛ فالرابط محذوف، التقدير: لم يكن فيه شيئا مذكورا. والأول أظهر لفظا، ومعنى. انتهى. جمل نقلا من السمين.
تنبيه: الدهر: الزمان قل، أو كثر، لكن قال بعضهم: إطلاقه على الزمن القليل مجاز، واتساع، ويطلق أيضا على الأبد، ويقع على مدة الدنيا كلها. ودهر الدهارير: زمن الشدائد.
قال الفرزدق من قصيدة يمدح فيها يزيد بن عبد الملك:[البسيط]
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت... إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير
وجمع الدهر: دهور. ودهر الإنسان: الزمن الذي يعيش فيه، والدّهري بضم الدال: الرجل المسن، وبفتحها: الملحد الذي لا يعتقد بوجود الخالق جل وعلا. والدهر لا يثبت على وتيرة واحدة، بل هو يتقلب بالإنسان، من حالة إلى حالة. قال العجاج بن رؤبة-وهو الشاهد رقم [١٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الرجز]
أطربا وأنت قنّسريّ؟ ... والدّهر بالإنسان دوّاريّ
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر، وأنا الدّهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنّهار». وفي رواية:«يؤذيني ابن آدم، ويقول: يا خيبة الدّهر! فلا يقولنّ أحدكم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدّهر، أقلّب ليله، ونهاره، فإذا شئت قبضتهما». وفي رواية:«يسبّ ابن آدم الدّهر، وأنا الدّهر بيدي اللّيل، والنّهار».
ومعنى هذه الأحاديث: أن العرب كان من شأنها ذم الدهر، وسبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إلى الدهر ما يصيبهم من المصائب، والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، كما أخبر الله عز وجل حكاية عنهم بقوله:{وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ} رقم [٢٤] سورة (الجاثية)، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد، وسبوا فاعلها، كان مرجع سبهم إلى الله تعالى؛ إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفوها إلى الدهر، لا الدهر نفسه فاعلها، فنهوا عن سب الدهر. وقيل لهم: لا تسبوا فاعل ذلك، فإنه هو الله عز وجل، والدهر متصرّف فيه يقع به التأثير، كما يقع بكم، والله أعلم. انتهى. خازن.
هذا؛ وكثيرا ما نسمع في أيامنا هذه من يلعن، ويسب الساعة، واليوم الذي رأى فيه فلانا، أو باع، أو اشترى كذا، أو عامل فلانا، أو الساعة التي جرى فيها قرانه بزوجته، وهي بزوجها، ليبوءوا بغضب الله، وسخطه، وقد يكونون من المصلين الصائمين، ولقد أحسن أبو علي الثقفي؛ إذ يقول:[السريع]