أي: الرياح الشديدة الهبوب بغير اختلاف قاله المهدوي. وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-:
هي الرياح العواصف تأتي بالعصف، وهو ورق الزرع، وحطامه. أقول: ويؤيده قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ}. {وَالنّاشِراتِ نَشْراً} (٣): يعني الرياح اللينة. وقال ابن مسعود، ومجاهد: هي الرياح يرسلها الله تعالى بشرا بين يدي رحمته؛ أي: تنشر السحاب للغيث. ويؤيده قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٥٧] وفي سورة (الفرقان) رقم [٤٨]: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
وما يشبه ذلك في سورة (النمل) رقم [٦٣]، وفي سورة (الروم) رقم [٤٦]: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ..}. إلخ. وقيل: المراد الملائكة الموكلون بالسحب ينشرونها، وهو ضعيف، وأضعف منه القول: إنها آيات القرآن تنشر الهداية، والمعرفة في قلوب المؤمنين.
{فَالْفارِقاتِ فَرْقاً:} الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل. وعن الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما تفرقه الملائكة من الأقوات والأرزاق والآجال، وعن مجاهد قال:
(الفارقات) الرياح تفرق بين السحاب، وتبدده. وهو ضعيف. وعن قتادة قال: (الفارقات):
الآيات القرآنية، فرق الله بها بين الحق، والباطل، والحلال، والحرام، والمعتمد الأول بدليل:
{فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً} فإنهم الملائكة بالإجماع، أي: يلقون كتب الله عز وجل إلى الأنبياء، عليهم الصلاة والسّلام.
هذا؛ وقد قيل: ليس المراد من هذه الآيات؛ بل الكلمات الخمس شيئا واحدا بعينه. فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنّاشِراتِ نَشْراً} الرياح، ويكون المراد بقوله: {فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً:} الملائكة. بعد هذا ينبغي أن تعرف حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات، كما في هذه الآيات هنا، وفي أوائل (الصافات)، وأوائل (النازعات) وخذ قول ابن زيابة، -وهو الشاهد رقم [٢٩٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [السريع]
يا لهف زيّابة للحارث الصّا... بح فالغانم فالآيب
قيل: إما أن تدل هذه الصفات على ترتيب معانيها في الوجود، كما في هذا البيت، كأنه قال: الذي صبّح، فغنم، فآب. وإما أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«رحم الله المحلّقين فالمقصّرين». وإما على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأفضل، فالأكمل، واعمل الأحسن، فالأجمل. انتهى كشاف، وقرطبي بتصرف.
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: وما المجانسة بين الرياح، والملائكة حتى جمع بينهما في القسم؟ قلت: الملائكة روحانيون، فهم بسبب لطافتهم، وسرعة حركاتهم شابهوا الرياح، فحصلت المجانسة بينهما من هذا الوجه، فحسن الجمع بينهما في القسم.