للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وذكرت لك في مناسبات كثيرة عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أنه قال: (إنّ الرّياح ثمان: أربع منها عذاب، وهي القاصف والعاصف، والصّرصر والعقيم، وأربع منها رحمة، وهي النّاشرات والمبشّرات والمرسلات والذّاريات). هذا؛ وإنما أقسم الله تعالى بالمرسلات وبما بعده، ومثل هذا كثير في أوائل السور، وأثنائها. قال الشعبي-رحمه الله تعالى-: الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا ينبغي له أن يقسم إلا بالخالق. وقال أبو حيان-رحمه الله تعالى-:

أقسم الله بهذه الأشياء تشريفا لها، وتنبيها على ما يظهر من عجائب الله، وقدرته، وقوام الوجود بإيجادها. وقيل: فيه مضمر، تقديره: ورب المرسلات... إلخ.

{عُذْراً أَوْ نُذْراً} أي: الملائكة ألقت ذكرا على الرسل بسبب الوحي؛ إما عذرا للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم، واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث، ونحوه، فيشكرونها. وإما إنذارا للذين لا يشكرون الله، وينسبون ذلك إلى الأنواء، وغيرها من الأسباب. وقيل: {أَوْ} هنا بمعنى الواو، فتكون الملائكة قد ألقت الذكر للإعذار، والإنذار معا.

{إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ:} هذا هو جواب القسم، أي: إن ما وعدتم به من قيام الساعة، والنفخ في الصور، وبعث الأجساد، وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ومجازاة كل واحد بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، إن هذا كله لواقع؛ أي: لكائن، لا محالة، فلا مجال للشك والافتراء. هذا؛ وجواب القسم المتكرر في أول سورة (الذاريات) قوله تعالى: {إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ} وهو يشبه الجواب هنا، ولا تنس الطباق بين {عُذْراً} و {نُذْراً}.

الإعراب: {وَالْمُرْسَلاتِ:} الواو: حرف قسم وجر. (المرسلات): مقسم به مجرور، أو المقسم به محذوف كما رأيت تقديره في الشرح، وهو صفة لموصوف محذوف، التقدير: ورب الرياح المرسلات، ونائب فاعله مستتر يعود إلى الرياح، والجار، والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: أقسم، أو أحلف. {عُرْفاً:} حال من الضمير المستكن في (المرسلات)، والمعنى على التشبيه؛ أي: حال كونها عرفا؛ أي: شبيهة بعرف الفرس؛ من حيث تتابعها، وتلاحقها. وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي: و {عُرْفاً} نقيض النكر، وانتصابه على العلة (مفعول لأجله) أي: أرسلن للإحسان، والمعروف. أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس، وانتصابه على الحال. وعلى تفسير المرسلات بالملائكة، فهو منصوب على نزع الخافض، التقدير: والمرسلات بالعرف. قاله أبو البقاء، ومكي. {فَالْعاصِفاتِ:} الفاء: حرف عطف.

(العاصفات): معطوف على (المرسلات). {عَصْفاً:} مفعول مطلق مؤكد لعامله، وهو (العاصفات). {وَالنّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً} هذه الكلمات معطوفة على ما قبلها، وهي مثلها بلا فارق. هذا؛ وقال القرطبي: (والناشرات) بالواو؛ لأنه استئناف قسم آخر. ولا وجه له؛ لأن الجواب الآتي لجميع المتعاطفات بالواو، أو بالفاء. {فَالْمُلْقِياتِ:} معطوف على ما قبله، وفاعل الجميع مستتر تقديره: «هي». {ذِكْراً:} مفعول به لما قبله بلا شك.

<<  <  ج: ص:  >  >>