للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ:} هذا استفهام للتعظيم والتهويل؛ أي: وما أعلمك أيها الإنسان بيوم الفصل وشدته وهوله؟ فإن ذلك اليوم أعظم من أن يعرف أمره إنسان، أو يحيط به عقل، أو وجدان. قال الإمام فخر الرازي: عجب العباد من تعظيم ذلك اليوم، فقال: لأي يوم أجلت الأمور المتعلقة بهؤلاء الرسل، وهي تعذيب من كذبهم، وتعظيم من آمن بهم، وظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به، من الأهوال والعرض والحساب.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أي: هلاك كبير، وخسار عظيم في ذلك اليوم لأولئك المكذبين بهذا اليوم الموعود. قال المفسرون: كرر هذه الجملة في هذه السورة عشر مرات لمزيد الترغيب والترهيب، وفي كل جملة وردت إخبار عن أشياء عن أحوال الآخرة، وتذكير بأحوال الدنيا، فناسب أن يذكر الوعيد عقيب كل جملة منها بالويل والدمار للكفرة الفجار، ولما ذكر الله جلت قدرته في سورة (الدهر) السابقة بعضا من أحوال الكفار في الآخرة، وأطنب في وصف أحوال المؤمنين هناك، جاء في هذه السورة بالإطناب في وصف الكفار، والإيجاز في وصف المؤمنين.

هذا؛ وفائدة التكرار لقوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في هذه السورة أن يجدد الكفار والفجار عند سماع كل نبأ اتعاظا، وخوفا من عقاب الله لهم في الآخرة، إن هم أصروا على تكذيبهم، ومثله التكرير لقوله تعالى في سورة (القمر): {فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وأيضا التكرير لقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} في سورة (الرحمن).

هذا؛ و {وَيْلٌ} كلمة تقولها العرب لكل من وقع في هلكة، وأصلها في اللغة: العذاب، والهلاك. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الويل: شدة العذاب، يقال: ويله وويلك وويلي، وفي الندبة: ويلاه! وتقول: ويل لزيد، وويلا لعمرو، فالرفع على الابتداء، والنصب على إضمار الفعل، هذا إذا لم تضفه، وأما إذا أضفته؛ فليس إلا النصب؛ لأنك لو رفعته لم يكن له خبر بخلافه في قول الأعشى وهو البيت رقم [٢١] من معلقته: [البسيط]

قالت هريرة لمّا جئت زائرها... ويلي عليك وويلي منك يا رجل

وقال عطاء بن يسار-رحمه الله تعالى-: الويل واد في جهنم لو أرسالات فيه الجبال؛ لماعت من شدة حره. انتهى. مختار الصحاح. وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الويل واد في جهنّم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره». أخرجه الترمذي. هذا؛ والويل مصدر لم يستعمل منه فعل؛ لأن فاءه، وعينه معتلتان، ومثله: ويح، وويس، وويب، وهو لا يثنى، ولا يجمع. وقيل يجمع على: ويلات بدليل قول امرئ القيس في معلقته رقم [١٨]: [الطويل]

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة... فقالت: لك الويلات إنّك مرجلي

<<  <  ج: ص:  >  >>