للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها، وإطلاق البرد على النوم لغة هذيل. {إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً:} الحميم: الماء الحار، وكثير ذكره في القرآن الكريم. والغساق: صديد يسيل من جلود أهل النار، ولم يذكر إلا في هذه السورة. وفي سورة (ص) رقم [٥٧]. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الغساق: الزمهرير يحرقهم ببرده.

وقيل: الحميم: الحار الذي قد انتهى حره، والغساق ضده، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم. فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لو أنّ دلوا من غسّاق يهراق في الدّنيا؛ لأنتن أهل الدّنيا». أخرجه الإمام أحمد، ورواه الترمذي، وابن جرير أيضا. وقال مجاهد، ومقاتل: هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده. وقال غيرهما: إنه يحرق ببرده، كما يحرق الحميم بحره. وقال عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-: هو قيح غليظ، لو وقع شيء منه بالمشرق؛ لأنتن من في المغرب، ولو وقع شيء منه بالمغرب؛ لأنتن من في المشرق.

وقال قتادة: هو ما يسيل من فروج الزناة، ومن نتن لحوم الكفرة، وجلودهم من الصديد، والقيح، والنتن. وقال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: هو عصارة أهل النار، وهذا القول أشبه.

يقال: غسق الجرح، يغسق غسقا: إذا خرج منه ماء أصفر. قال الشاعر: [البسيط]

إذا ما تذكّرت الحياة وطيبها... إليّ جرى دمع من اللّيل غاسق

{جَزاءً وِفاقاً} أي: جوزوا بذلك جزاء ذا وفاق لأعمالهم، أو موافقا لها، فالوفاق بمعنى الموافقة، كالقتال بمعنى المقاتلة. وقال الفراء أيضا: هو جمع الوفق، والوفق، واللّفق واحد.

وقال مقاتل: وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. والله أعلم بمراده.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {جَهَنَّمَ:} اسمها. {كانَتْ:} فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث، واسمها ضمير يعود إلى {جَهَنَّمَ}. {مِرْصاداً:} خبر (كان)، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {لِلطّاغِينَ:} متعلقان ب‍: {مِرْصاداً،} أو بمحذوف صفة، أو هما متعلقان بمحذوف حال من: {مَآباً،} كان صفة له، فلما قدم عليه؛ صار حالا. {مَآباً:} بدل من {مِرْصاداً،} لذا قيل: خبر ثان ل‍: {كانَتْ}.

{لابِثِينَ:} حال من الضمير المستتر في (الطاغين). {فِيها:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {لابِثِينَ}.

{أَحْقاباً:} ظرف زمان متعلق به أيضا. {لا:} نافية. {يَذُوقُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {بَرْداً:} مفعول به. {وَلا:}

(الواو): حرف عطف. (لا): نافية مؤكدة. {شَراباً:} معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية فيها أوجه: أحدها: أنها مستأنفة. والثاني: أنها في محل نصب حال من الضمير في: {لابِثِينَ} أي:

لابثين غير ذائقين، فهي حال متداخلة. والثالث: أنها في محل نصب صفة ل‍: {أَحْقاباً}.

{إِلاّ:} أداة استثناء. {حَمِيماً:} مستثنى منقطع على تفسير البرد بالنوم. وقيل: هو متصل على تفسيره بالبرد الحقيقي، وهو قول أبي حيان، وجوز الكواشي الأمرين، وجوز اعتباره بدلا

<<  <  ج: ص:  >  >>