للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحقب بضم القاف وسكونها: ثمانون سنة، وهو المعتمد. وقيل: أكثر من ذلك، أو أقل.

هذا؛ وكل سنة اثنا عشر شهرا، وكل شهر ثلاثون يوما، وكل يوم ألف سنة، يروى ذلك عن علي -رضي الله عنه وكرّم الله وجهه-. قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: الأحقاب وإن طالت متناهية، وعذاب الكفار في جهنم غير متناه، فما معنى قوله: {أَحْقاباً؟}.

قلت: ذكروا فيه وجوها: أحدها: ما روي عن الحسن-رحمه الله تعالى-قال: الله تعالى لم يجعل لأهل النار مدة، بل قال: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} فو الله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب؛ دخل حقب آخر، ثم آخر إلى الأبد! فليس للأحقاب عدة إلا الخلود. وروي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-قال: لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار: عدد حصى الدنيا؛ لفرحوا، ولو علم أهل الجنة: أنهم يلبثون في الجنة عدد الحصى؛ لحزنوا.

الوجه الثاني: أن لفظ الأحقاب لا يدل على نهاية، والحقب الواحد متناه. والمعنى: أنهم يلبثون فيها أحقابا. {لا يَذُوقُونَ فِيها} أي: في تلك الأحقاب {بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً} فهذا توقيت؛ لأنواع العذاب؛ الذي يبدلونه، لا توقيت للبثهم فيها.

الوجه الثالث: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً} يعني: أن العدد قد ارتفع، والخلود قد حصل. انتهى.

تنبيه: قال الإمام الرازي-رحمه الله تعالى-: قال قوم: إن عذاب الله للكافرين منقطع، وله نهاية، واستدلوا بقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} وبأن معصية الظالم متناهية، فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم! والجواب: أن قوله تعالى: {أَحْقاباً} لا يقتضي أن له نهاية؛ لأن العرب يعبرون به، وبنحوه عن الدوام، ولا ظلم في ذلك؛ لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا، فعوقب دائما، ولم يعاقب بالدائم إلا على دائم، ولم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا. انتهى جمل في سورة (هود) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

{لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً:} {فِيها} في الأحقاب. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-:

البرد: النوم. وبه قال أبو عبيدة، وغيره من أئمة اللغة، وبه قال صاحب المختار، وذكر الآية الكريمة مستدلا بها، وقال العرجي عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان-رضي الله عنه-: [الطويل]

ولو شئت حرّمت النساء سواكم... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

النقاخ: هو الماء العذب؛ الذي ينقخ الفؤاد ببرده، والبرد: النوم. وقاله مجاهد، والسدي، والكسائي، والفضل بن خالد، وأبو معاذ النحوي، وأنشدوا قول الكندي: [الكامل]

بردت مراشفها عليّ فصدّني... عنها وعن تقبيلها البرد

يعني: النوم، والعرب تقول: منع البرد البرد، يعني: أذهب البرد النّوم، وقد سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم:

هل في الجنة نوم؟ فقال: «لا؛ النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها». فكذلك النار لا موت

<<  <  ج: ص:  >  >>