قال ابن كثير: أي: جعلها عالية البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء. {وَأَغْطَشَ لَيْلَها} أي: جعله مظلما، غطش الليل، وأغطشه الله، كقولك: ظلم الليل، وأظلمه الله وهي لغة بني أنمار، ويقال: أغطش الليل بنفسه، وأغطشه الله، كما يقال:
أظلم الليل وأظلمه الله، والغطش، والغبش: الظلمة. ورجل أغطش؛ أي: أعمى، أو شبيه به، وقد غطش، والمرأة غطشاء، ويقال: ليلة غطشاء، وليل أغطش، وفلاة غطشى: لا يهتدى لها.
وقال الأعشى: [المتقارب]
ويهماء بالليل غطشى الفلا... ة يؤنسني صوت فيادها
الفياد-بفتح الفاء، وضمها-ذكر البوم. وقال الأعشى أيضا: [المتقارب]
عقرت لهم موهنا ناقتي... وغامرهم مدلهم غطش
يعني بغامرهم: ليلهم؛ لأنه غمرهم بسواده، وأضاف الليل إلى السماء؛ لأن الليل يكون بغروب الشمس، والشمس مضاف إلى السماء، ويقال: نجوم الليل؛ لأن ظهورها بالليل.
{وَأَخْرَجَ ضُحاها} أي: أبرز نهارها، وضوءها، وشمسها. وأضاف الضحى إلى السماء كما أضاف إليها الليل؛ لأن فيها سبب الظلام، والضياء، وهو غروب الشمس، وطلوعها، وإنما عبر سبحانه عن النهار بالضحى؛ لأنه أكمل أجزاء النهار في النور، والضوء.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها:} بسطها. والعرب تقول: دحوت الشيء أدحوه دحوّا: إذا بسطته.
قال أمية بن أبي الصلت؛ الذي آمن شعره، ولم يؤمن لسانه: [الوافر]
وبثّ الخلق فيها إذ دحاها... فهم قطّانها حتّى التّنادي
وقيل: دحاها سواها، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل: [المتقارب]
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلمّا استوت شدّها... بأيد وأرسى عليها الجبالا
ولا ينافي القول ببسطها القول بكروية الأرض، فإن ذلك مقطوع به حتى قال الإمام الفخر الرازي ما نصه: وكانت الأرض أولا كالكرة المجتمعة، ثم إن الله تعالى مدها، وبسطها، وليس معنى (دحاها) مجرد البسط، بل المراد: أنه بسطها بسطا مهيأ لنبات الأقوات، يدل عليه قوله تعالى: {أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها} والجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوي. انتهى وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦] من سورة (النبأ) عن الآلوسي.
هذا؛ وقد قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: ظاهر هذه الآية يقتضي: أن الأرض خلقت بعد السماء بدليل قوله تعالى بعد ذلك، وقد قال تعالى في سورة (فصلت) رقم [١١]: {ثُمَّ}