اسْتَوى إِلَى السَّماءِ... إلخ، فكيف الجمع بين الآيتين، وما معناهما؟ قلت: خلق الله الأرض أولا مجتمعة، ثم سمك السماء ثانيا، ثم دحا الأرض بمعنى بسطها، ومدها ثالثا، فحصل بهذا التفسير الجمع بين الآيتين، وزال الإشكال. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: خلق الله الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء، فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك. انتهى وانظر آية (فصلت) المذكورة ففيها فوائد جمة. هذا؛ ويقال: دحا، يدحو دحوا، ودحى يدحى دحيا، كقولهم: طغى، يطغى، ويطغو، وطغي، يطغي، ومحا، يمحو، ويمحى، ولحى العود: يلحى، ويلحو، فمن قال: يدحو قال: دحوت، ومن قال: يدحى قال: دحيت.
{أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها} أي: أخرج من الأرض عيون الماء المتفجرة، وأجرى فيها الأنهار، وأنبت فيها الكلأ، والمرعى مما يأكله الناس، والأنعام. قال القتبي: دل بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا، ومتاعا للأنام من العشب، والشجر، والحب، والثمر، والعصف، والحطب، واللباس، والنار، والملح؛ لأن النار من العيدان، والملح من الماء، وفي الآية الكريمة استعارة تصريحية، فقد شبه أكل الناس برعي الأنعام، واستعير الرعي للإنسان بجامع أكل الإنسان، والحيوان من النباتات. ففيه استعارة لطيفة، ولا تنس المقابلة بين الآيات.
{وَالْجِبالَ أَرْساها} أي: أثبتها في الأرض، وجعلها كالأوتاد لتستقر، وتسكن بأهلها. انظر الآية رقم [٢٧] من سورة (المرسلات). {مَتاعاً لَكُمْ} أي: منفعة لكم. {وَلِأَنْعامِكُمْ} أي: لجميع الحيوانات التي تنتفعون بها مدة احتياجكم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد، وينقضي الأجل. وانظر «التمتع» في سورة (المرسلات) رقم [٤٦] فإنه جيد.
الإعراب:{أَأَنْتُمْ:}(الهمزة): حرف استفهام، وتوبيخ وتقريع. (أنتم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَشَدُّ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {خَلْقاً:} تمييز. {أَمِ:} حرف عطف، وهي هنا متصلة. {السَّماءُ:} مبتدأ، وخبره محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {بَناها:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله). و (ها): مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من (السماء) والرابط:
الضمير، وهذا على رأي: من يجيز مجيء الحال من المبتدأ. {رَفَعَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله. {سَمْكَها:} مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية تفسير لكيفية البناء، فهي في محل نصب حال مثل سابقتها. وقيل: هي بدل منها، والتي بعدها معطوفة عليها بالفاء العاطفة. {وَأَغْطَشَ:} الواو: حرف عطف. (أغطش): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله أيضا. {لَيْلَها:} مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، والتي بعدها معطوفة عليها أيضا.