وهذا قول الفراء، فقد قال: وكثير من النحويين يقولون (لا) صلة، ولا يجوز أن يبدأ بجحد (نفي) ثم بجحد يجعل صلة؛ لأن هذا لو كان كذلك؛ لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه (لا نفي فيه)، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم، وإدخال (لا) النافية على فعل القسم مستفيض في كلام العرب، وأشعارهم. قال امرؤ القيس-وهو الشاهد رقم [٤٥٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [المتقارب]
فلا وأبيك ابنة العامريّ... لا يدّعي القوم أنّي أفر
وأيضا قول المتنخل الهذلي-وهو الشاهد رقم [١٠٨٦] من كتابنا المذكور-: [الوافر]
فلا والله نادى الحيّ قومي... هدوّا بالمساءة والعلاط
قالوا: وفائدتها تأكيد القسم في الرد كقولك: لا والله ما ذاك! تريد والله، فيجوز حذفها، لكنه أبلغ في الرد مع إثباتها. هذا؛ وقيل: اللام لام الابتداء، فأشبعت بالمد، فتولدت الألف، ويؤيده قراءة ابن كثير «(لأقسم)» بغير ألف المد، ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر، وعلى هذه القراءة، فاللام لام الابتداء، وجملة:(أقسم بالخنس) في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: لأنا أقسم بالخنس، ولو أريد به الاستقبال للزمت النون، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يراد به الاستقبال، وهو شاذ، وعن قراءة الباقين بالمد. وانظر ما أذكره في سورة (البلد) عن ابن هشام-رحمه الله تعالى-.
هذا؛ و (الخنس الجوار الكنس): هي النجوم تبدو بالليل، فتظهر، وتخنس بالنهار تحت نور الشمس، ونحو هذا المعنى عن علي-كرم الله وجهه، ورضي الله عنه-. وقيل: هي النجوم الخمسة: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، تخنس في مجاريها؛ أي: ترجع وراءها في الفلك، وتكنس؛ أي: تستتر وقت اختفائها. وقيل: هي الظباء، وهي رواية عن ابن عباس-رضي الله عنهما-. وقيل: هي بقر الوحش. وهو قول ابن مسعود-رضي الله عنه-.
والكناس: مكان الظبية؛ التي تأوي إليه. هذا؛ ويقال: خنس عنه، يخنس بالضم خنوسا: تأخر، وأخنسه غيره: إذا خلفه، ومضى عنه، والخنس: تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة. والرجل أخنس، والمرأة خنساء. والخنساء: الشاعرة المشهورة لقبت بذلك لما ذكرت، واسمها الحقيقي: تماضر. والجواري جمع: جارية، من: جرى، يجري. وانظر {الْخَنّاسِ} في سورة (الناس).
{وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ:} إذا أقبل، أو أدبر، فهو من الأضداد، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله، وإدباره في آخره. قال علقمة بن قرط-وهو قول القرطبي- وقال الزمخشري-وأكده محب الدين الخطيب-هو من قول العجاج:[الرجز]
حتّى إذا الصّبح لها تنفّسا... وانجاب عنها ليلها وعسعسا