يقول أهل مكة، وذلك أنهم قالوا: إنه مجنون، وأن ما يقوله ليس هو إلا من عند نفسه، فنفى الله عنه المجنون وكون القرآن من عند نفسه. هذا؛ وقال تعالى في سورة (النجم): {ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى}.
هذا؛ وقال الإمام ما معناه: كما أنه سبحانه وتعالى أجرى على جبريل-عليه السّلام-هذه الصفات هاهنا أجرى على نبينا صلّى الله عليه وسلّم صفات في قوله تعالى في سورة (الأحزاب): {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً} فإفراد أحد الشخصين بالذكر، وإجراء صفاته عليه لا يدل على انتفاء تلك الصفات عن الآخر. وقال القاضي: واستدل به على فضل جبريل على محمد، عليهما الصلاة والسّلام؛ حيث عدد فضائل جبريل، واقتصر على نفي الجنون عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو ضعيف؛ إذ المقصود منه رد قولهم:{إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} رقم [١٠٣] من سورة (النحل)، وقولهم:{أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} الآية رقم [٨] من سورة (سبأ) لا تعداد فضلهما، والموازنة بينهما. ثم إنك إذا أمعنت النظر وقفت على أن إجراء تلك الصفات على جبريل في هذا المقام إدماج لتعظيم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنه بلغ من المكانة وعلو المنزلة عند ذي العرش بأن جعل السفير بينه، وبينه مثل هذا الملك المقرب المطاع الأمين، فالقول في هذه الصفات بالنسبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رفعة منزلة له كالقول في قوله:{ذِي الْعَرْشِ} بالنسبة إلى رفعة منزلة جبريل عليه السّلام، كما سبق، والله أعلم. انتهى. جمل نقلا من هنا، وهناك.
الإعراب:{فَلا:} الفاء: حرف استئناف. (لا): نافية، أو صلة، أو هي لام الابتداء حسب ما رأيت في الشرح. {أُقْسِمُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر فيه وجوبا تقديره:«أنا»، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، وهي في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، على اعتبار اللام لام الابتداء، فتكون الجملة اسمية، وهي مستأنفة أيضا. {بِالْخُنَّسِ:} متعلقان بالفعل قبلهما.
صفة ثانية. وقيل: صفة {الْجَوارِ}. {وَاللَّيْلِ:} الواو: حرف عطف. وقيل: واو قسم ثان.
(الليل): معطوف على (الخنس)، أو هو مجرور بواو القسم، والجار، والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. {إِذا:} ظرف زمان مجرد عن الشرطية مبني على السكون في محل نصب، وفي عامله أوجه، وعلى كل واحد منها إشكال: أحد الأوجه: أنه متعلق بفعل القسم المحذوف، التقدير: أقسم بالليل وقت عسعسته. قاله أبو البقاء، وغيره. وهو مشكل؛ فإن فعل القسم إنشاء، والإنشاء حال، و {إِذا} لما يستقبل من الزمان، فكيف يتلاقيان؟! الثاني: أن العامل فيه مقدر على أنه حال من (الليل) أي: أقسم به حال كونه مستقرا في زمان عسعسته، وهو مشكل من وجهين: أحدهما: أن الليل جثة، والزمان لا يكون حالا من الجثة، كما لا يكون خبرا عنها. والثاني: أن {إِذا} للمستقبل، فكيف يكون حالا؟! وقد أجيب عن الأول بأن