للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا... عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي

حيث قيل: إن الفعل بمعنى: أخفوا، وأظهروا.

{وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ} أي: أقبل، وبدا أوله. وقيل: أسفر. وفي تنفسه قولان:

أحدهما: أن في إقبال الصبح روحا، ونسيما، فجعل ذلك نفسا على المجاز. الثاني: أنه شبه الليل بالمكروب المحزون، فإذا تنفس؛ وجد راحة، فكأنه تخلص من الحزن، فعبر عنه بالتنفس، فهو استعارة لطيفة، حيث شبه إقبال النهار، وسطوع الضياء بنسمات الهواء العليل؛ التي تحيي القلوب. واستعار لفظ التنفس لإقبال النهار بعد الظلام الدامس على طريقة الاستعارة التصريحية. وهذا من لطيف الاستعارة، وأبلغها تصويرا؛ حيث عبر عنه بتنفس الصبح.

{إِنَّهُ} أي: القرآن. {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ:} لا أرى حاجة إلى المزيد على ما ذكرته في الآية رقم [٤٠] من سورة (الحاقة) والمرجح هنا: أن المراد به: جبريل، عليه السّلام، بدليل الآيات الآتية. {ذِي قُوَّةٍ:} هو كقوله تعالى في سورة (النجم): {شَدِيدُ الْقُوى:} وكان من قوة جبريل عليه الصلاة والسّلام: أنه اقتلع قرى قوم لوط الأربع من الماء الأسود، وحملها على جناحه حتى سمعت الملائكة صياح الديكة، ثم جعل عاليها سافلها. وكان من قوته: أنه أبصر إبليس-لعنه الله- يكلم عيسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-على بعض أعقاب الأرض المقدسة، فنفحه بجناحه نفحة ألقاه إلى أقصى جبل بالهند، وأنه صاح صيحة بقوم صالح، فأصبحوا جاثمين، وأنه يهبط من السماء إلى الأرض، ثم يصعد في أسرع من رد الطرف. انتهى. خازن.

{عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} أي: عند صاحب العرش ومالكه، وهو الله تعالى. وانظر شرح العرش في الآية رقم [١٧] من سورة (الحاقة). {مَكِينٍ} أي: صاحب منزلة عالية، ومكانة رفيعة عند الله عز وجل، فروي عن أبي صالح قال: يدخل جبريل سبعين سرادقا بغير إذن.

{مُطاعٍ ثَمَّ} أي: تطيعه الملائكة في السموات. قال الحسن-رحمه الله تعالى-: فرض الله على أهل السموات طاعة جبريل عليه السّلام، كما فرض على أهل الأرض طاعة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومن طاعة الملائكة له: أنهم فتحوا له السموات السبع ليلة الإسراء، وفتح خزنة الجنة له أبوابها، وكذلك فتح له خزنة النار أبوابها؛ حتى نظر إليها. {أَمِينٍ} أي: على وحي الله؛ لأنبيائه، وخاب الفسقة الفجرة الذين يقولون: إن جبريل تاه؛ حيث كلف بإعطاء الرسالة لعلي بن أبي طالب، فتاه فأعطاها لمحمد صلّى الله عليه وسلّم، لذا روي: أنهم يقولون في آخر صلاتهم: يا حيفه! يا حيفه! تاه الأمين! تاه الأمين! ويضربون بأيديهم على أفخاذهم، فهذا ختم الصلاة عندهم بدون سلام، فإن كان هذا صحيحا عنهم؛ فهم كفار بلا ريب، ولا شك، واليهود والنصارى أحسن حالا منهم.

{وَما صاحِبُكُمْ} يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلّم والخطاب لأهل مكة. {بِمَجْنُونٍ:} هذا أيضا من جواب القسم، أقسم الله على أن القرآن نزل به جبريل عليه السّلام، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليس بمجنون، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>