للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذنا بآفاق السّماء عليكم... لنا قمراها والنّجوم الطّوالع

فقد رأى الرسول صلّى الله عليه وسلّم جبريل عليه الصلاة والسّلام على صورته التي خلق فيها مرتين: مرة في الأرض، ومرة في السماء، أما التي في الأرض؛ فخذها برواية البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجبريل-عليه الصلاة والسّلام-: «إني أحبّ أن أراك في صورتك؛ الّتي تكون فيها في السّماء». قال: «لن تقوى على ذلك!». قال:

«بلى!». قال: «فأين تشاء أن أتخيل لك»؟ قال: «بالأبطح». قال: «لا يسعني». قال:

«فبمنى». قال: «لا يسعني» قال: «فبعرفات». قال: «ذلك بالحري أن يسعني». رواية القرطبي، ورواية الخازن: قال: لا يسعني ذلك. قال: «فبحراء». قال: «إن يسعني». فواعده، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الوقت، فإذا هو بجبريل قد أقبل من حيال عرفات بخشخشة، وكلكلة، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء، ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم خرّ مغشيا عليه، فتحول جبريل عليه السّلام عن صورته، وضمه إلى صدره. وقال:

«يا محمد! لا تخف! فكيف لو رأيت إسرافيل، ورأسه تحت العرش، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وإن العرش لعلى كاهله، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله جل جلاله، وعلا علاؤه، وشأنه حتى يصير، مثل الصعو، يعني العصفور؟! (وفي رواية القرطبي مثل الوصع)، حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته». انتهى. قرطبي، وخازن. هذا؛ وفي المختار: الوصع: طائر أصغر من العصفور، وهو بفتح الصاد، وسكونها، والجمع: وصعان، وفيه أيضا: الصّعوة: طائر، والجمع: صعو، وصعاء.

هذا؛ والمرة الثانية التي رأى فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم جبريل-عليه الصلاة والسّلام-كانت بعد الأولى، وكانت ليلة الإسراء، والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي صريح قوله تعالى في سورة (النجم): {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى..}. إلخ الآيات، وفي المرة الثانية ثبت فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يغش عليه كما في المرة الأولى، وهو صريح قوله تعالى: {ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى} انظر سورة (النجم)؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ:} على ما يخبره من الوحي إليه، وما اطلع عليه من الغيوب مما كان غائبا من علمه من أحوال الأمم الماضية. {بِضَنِينٍ} أي: ببخيل، من ضننت بالشيء، أضن ضنا، فهو ضنين، يقول: إنه يأتيه علم الغيب، ولا يبخل به عليكم، ويخبركم به، ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده؛ حتى يأخذ عليه حلوانا، وهو أجرة الكاهن. قال الشاعر: [الطويل]

أجود بمكنون الحديث وإنّني... بسرّك عمّن سالني لضنين

هذا؛ ويقرأ: «(بظنين)» بالظاء المعجمة؛ أي: بمتهم، والظنة: التهمة. قال الشاعر: [الطويل]

أما وكتاب الله لا عن شناءة... هجرت ولكنّ الظّنين ظنين

<<  <  ج: ص:  >  >>