للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفلى، وفيها أرواح الكفار. وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن البراء بن عازب-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سجّين: أسفل سبع أرضين، وعليون: في السماء السابعة تحت العرش». وقال شمر بن عطية: جاء ابن عباس-رضي الله عنهما-إلى كعب الأحبار، فقال:

أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: {إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ} قال كعب: إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ثم يهبط بها إلى الأرض، فتأبى أن تقبلها، فتدخل تحت سبع أرضين حتى ينتهي إلى سجين، وهو موضع خد إبليس، فيخرج لها من سجين رق، فيرقم، ويختم، ويوضع تحت خد إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة. انتهى. خازن.

{وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ} أي: ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت، ولا قومك يا محمد! وروى أبو هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «سجّين جبّ في جهنم، وهو مفتوح». وقال أبو عبيدة والأخفش، والزجاج: {لَفِي سِجِّينٍ} لفي حبس، وضيق شديد (فعّيل) من السجن، كما يقال:

فسّيق وشرّيب. قال ابن مقبل: [البسيط]

ورفقة يضربون البيض ضاحية... ضربا تواصت به الأبطال سجّينا

والمعنى: كتابهم في حبس. جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم، أو لأنه يحل من الإعراض عنه، والإبعاد له محل الزجر، والهوان. وهذا دليل على خبث أعمالهم، وتحقير الله إياها.

{كِتابٌ مَرْقُومٌ} أي: مكتوب فيه أعمالهم مثبتة عليهم، كالرقم في الثوب، لا ينسى، ولا يمحى؛ حتى يحاسبوا به، ويجازوا عليه. وقال قتادة: أي: مكتوب، رقم لهم بشر، لا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد. وقال الضحاك: {مَرْقُومٌ:} مختوم بالغة حمير، وأصل الرقم:

الكتابة. قال الشاعر: [الطويل]

سأرقم في الماء القراح إليكم... على بعدكم إن كان للماء راقم

قال النسفي-رحمه الله تعالى-نقلا عن الكشاف: فإن قلت: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه في سجين، وفسر سجينا بكتاب مرقوم، فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم؛ فما معناه؟!

قلت: سجين كتاب جامع هو ديوان الشر، دوّن الله فيه أعمال الشياطين، والكفرة من الجن، والإنس، وهو كتاب مرقوم مسطور، بيّن الكتابة، أو معلم، يعلم من رآه: أنه لا خير فيه، من: رقم الثياب علامتها. والمعنى: أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان، وسمي سجينا فعيلا من السجن، وهو الحبس، والتضييق؛ لأنه سبب الحبس، والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان موحش مظلم، وهو مسكن إبليس، وذريته، وهو اسم علم منقول من وصف، كحاتم، منصرف لوجود سبب واحد، وهو العلمية

<<  <  ج: ص:  >  >>