للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحسب. هذا؛ و {الفُجّارِ} جمع: فاجر. والمراد بهم: الكفار. وكثيرا ما نجد من أبناء المسلمين من هو أفجر من الكفار: يظلم، ويعتدي على حقوق غيره، لا يخاف ربا، ولا يحترم قانونا، ولا يرعى ذمة، وعهدا، يكذب، ويخون، ويخلف الوعد، ويغش في بيعه، وشرائه، ويلف، ويدور في أخذه، وعطائه.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ:} هلاك، ووبال، وخزي، ونكال للذين يكذبون بيوم الجزاء، والحساب، والفصل بين العباد، وتمييز الحق من الباطل. و (يوم الدين) هو يوم القيامة الذي يدين الله فيه الناس؛ أي: يحاسبهم. {وَما يُكَذِّبُ بِهِ:} وما يكذب بيوم الدين، والجزاء. {إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ:} متجاوز الحد الذي حدّه الله له، فيطغى، ويبغي، ويفسد في الأرض، بل ويعيث فيها فسادا. {أَثِيمٍ:} كثير الآثام لكثرة فساده في الأرض، وطغيانه على الناس.

{إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا} أي: تقرأ عليه آيات القرآن. {قالَ:} ذلك المعتدي الأثيم. {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ:} أكاذيب الأولين وأحاديثهم وأباطيلهم؛ التي كتبوها، وزخرفوها. والقائل هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار. قال البيضاوي: وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم، فإنه كان قاضيهم، وصاحب مشورتهم، كان قد خرج إلى الحيرة في التجارة، فاشترى أحاديث كليلة، ودمنة، وكسرى، وقيصر، فلما قص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبار من مضى؛ قال النضر:

لو شئت لقلت مثل هذا! وكان يقول: يأتيكم محمد بأخبار عاد، وثمود، وأنا آتيكم بأخبار القياصرة، والأكاسرة! يقصد بذلك أذى النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما حصلت غزوة بدر الكبرى، وقع أسيرا في أيدي المسلمين، فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقتله صبرا، فحزنت عليه أخته: «قتيلة»، وأرسالات أبياتا للنبي صلّى الله عليه وسلّم مطلعها: [الكامل]

أمحمد ولأنت نجل نجيبة... في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت وربّما... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

فلما سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم قصيدتها. قال: «لو سمعتها تقول هذا قبل أن أقتله؛ ما قتلته، ولعفوت عنه». ثم قال: «لا تقتل قريش أحدا بعد هذا صبرا». انظر الشاهد رقم [٤٧٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ و {أَساطِيرُ} جمع: أسطورة، وإسطارة (بكسر الهمزة)، فالأول مثل: أحدوثة، وأضحوكة، وأعجوبة، وجمعها: أحاديث، وأضاحيك، وأعاجيب. وقيل: واحدها سطر، بفتح السين والطاء. وأسطار: جمع، وأساطير: جمع الجمع، مثل: أقوال، وأقاويل، هذا؛ وسطر الكتابة جمعه في القلة: أسطر، وفي الكثرة: سطور، مثل: فلس، وأفلس، وفلوس. هذا؛ وقد قيل في معنى {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ:} إنها التّرّهات، وهي عند العرب غامضة، ومسالك وعرة مشكلة، يقول قائلها: أخذنا في التّرّهات، بمعنى عدلنا عن الطريق الواضح إلى الطريق المشكل الذي لا

<<  <  ج: ص:  >  >>