يقول: ليس في يدي من ذلك شيء، كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء، فإذا جلل الليل الجبال، والأشجار، والبحار والأرض، فاجتمعت له؛ فقد وسقها، والوسق: ضمك الشيء بعضه إلى بعض، تقول: وسقته، أسقه وسقا. ومنه قيل: للطعام الكثير المجتمع: وسق، وهو ستون صاعا. وقيل: معنى (ما وسق): ما عمل فيه، ويحتمل أن يكون المراد: تهجد العباد فيه. فيجوز أن يقسم به.
{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} أي: تم، واجتمع، واستوى، وذلك في الأيام البيض. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: استوى. وقال الفراء: اتساقه: امتلاؤه، واستواؤه: ليالي البدر، وهو افتعال من الوسق؛ الذي هو الجمع، يقال: وسقته، فاتسق، كما يقال: وصلته، فاتصل.
ويقال: أمر فلان متسق؛ أي: مجتمع على الصلاح، منتظم.
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ:} يقرأ الفعل بفتح الباء خطابا للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: لتركبنّ يا محمد حالا بعد حال. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-. أي: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء، ودرجة بعد درجة، ورتبة بعد رتبة في القربة من الله تعالى. قاله الشعبي، وهذا كان في ليلة الإسراء بلا ريب. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أيضا: هذا خطاب لنبيكم، ومعناه: يكون لك الظفر، والغلبة على المشركين؛ حتى يختم الله لك بجميل العاقبة، فلا يحزنك تكذيبهم، وتماديهم في كفرهم!
وقيل: لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال من كونك نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم حيا، وميتا، وغنيا، وفقيرا. فالخطاب للإنسان المذكور في قوله:{يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ} هذا؛ وقرأ الأكثرون بضم باء الفعل على خطاب الجمع، والمعنى: لتركبن أيها الناس حالا بعد حال، وأمرا بعد أمر، رخاء بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنى بعد فقر، وفقرا بعد غنى، وصحة بعد سقم، وسقما بعد صحة، ورحم الله من قال:[الطويل]
ثمانية للمرء لا بدّ منهم... وكلّ امرئ لا بدّ له ثمانيه
كذلك المرء إن ينسأ له أجل... يركب على طبق من بعده طبق
وقال الأقرع بن حابس التميمي:[البسيط]
إنّي امرؤ قد حلبت الدّهر أشطره... وساقني طبق منه إلى طبق
وهذا أدل دليل على حدوث العالم، وإثبات الصانع. قالت الحكماء: من كان اليوم على حالة، وغدا على حالة أخرى؛ فليعلم: أن تدبيره إلى سواه. وقيل لأبي بكر الوراق: ما الدليل