للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن لهذا العالم صانعا؟ فقال: تحويل الحالات، وعجز القوة، وضعف الأركان، وقهر المنية، ونسخ العزيمة. ويقال: أتانا طبق من الناس، وطبق من الجراد؛ أي: جماعة. وقال العباس-رضي الله عنه-في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم: [المنسرح]

وأنت لما ولدت أشرقت الأر... ض وضاءت بنورك الأفق

وقال أيضا: [المنسرح]

تنقل من صالب إلى رحم... إذا مضى عالم بدا طبق

أي: قرن من الناس. وقيل: معناه: لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم. فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم، وأحوالكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع-وفي رواية: (شبرا بعد شبر، وذراعا بعد ذراع) -حتى لو دخلوا جحر ضبّ؛ لتبعتموهم». قلنا: يا رسول الله! اليهود، والنصارى. قال: «فمن؟». متفق عليه.

{فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ؟} يعني أي شيء يمنعهم من الإيمان بعد ما وضحت لهم الآيات، وقامت الدلالات، وهذا استفهام إنكار. وقيل: تعجيب؛ أي: اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات.

{وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} أي: لا يصلون، فعبر عن الصلاة بالسجود؛ لأنه جزء منها. وقيل: أراد به سجود التلاوة، وهذه السجدة إحدى سجدات القرآن عند الشافعي، ومن وافقه، فعن رافع قال: صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ: {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} فسجد، فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم فلا أزال أسجد حتى ألقاه. ولمسلم عنه، قال:

سجدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} وكان ابن عمر-رضي الله عنهما-لا يراها من عزائم السجود في المفصل. وبه قال الإمام مالك-رحمه الله تعالى-وروى أبي بن كعب-رضي الله عنه-: كان آخر فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ترك السجود في المفصل. والأول أصح، وعليه الأكثرون.

وسجود التلاوة يسن للقارئ، والسامع والمستمع. والدليل على ذلك سجود النبي صلّى الله عليه وسلّم فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ القرآن، فيقرأ آية فيها سجدة، فيسجد، ونسجد معه؛ حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته في غير وقت صلاة. متفق عليه.

وانظر رأيه في المفصل المذكور آنفا.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد؛ اعتزل الشّيطان يبكي، ويقول: يا ويلتا أمر ابن آدم بالسجود، فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النّار!». رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>