للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توصية الإنسان بالنظر في أول أمره، وسنته الأولى، حتى يعلم: أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة، والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره. وانظر الكلام على {عَمَّ} في سورة (النبأ) رقم [١].

{خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ} أي: من المني المتدفق؛ الذي ينصب بقوة، وشدة، يتدفق من الرجل، والمرأة، فيتكون منه الولد بقدرة الله، والدفق: صب الماء، و {دافِقٍ} بمعنى مدفوق، كما قالوا:

سر كاتم؛ أي: مكتوم، والمراد ماء الرجل، والمرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما.

هذا؛ وفي الجمل: و {دافِقٍ} من صيغ النسب، كلابن، وتامر؛ أي: ذي دفق، وهو صادق على الفاعل، والمفعول، أو هو مجاز في الإسناد، فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة، أو هو استعارة مكنية، أو تخييلية، أو مصرحة بجعله دافقا؛ لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضا؛ أي: يدفعه كما أشار له ابن عطية. انتهى. نقلا من الشهاب.

{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ} أي: الظّهر، وفيه لغات أربع: صلب، وصلب. وقرئ بهما، وصلب، وصالب، ومنه قول العباس-رضي الله عنه-: [المنسرح]

تنقل من صالب إلى رحم... إذا مضى عالم بدا طبق

ويجمع على: أصلاب، وأصلب، وصلبة، ويقال: هو من صلب فلان. أي: من نسله، وولده.

{وَالتَّرائِبِ:} عظام الصدر، والصلب: فقار الظهر، ويسمى سلسلة الظهر، والأول من المرأة والثاني من الرجل، ومن الأول قول امرئ القيس في معلقته رقم [٣٠]: [الطويل]

مهفهفة بيضاء غير مفاضة... ترائبها مصقولة كالسّجنجل

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الترائب: موضع القلادة في الصدر، وعنه ما بين ثدييها، والمشهور من كلام العرب: أنها عظام الصدر، والنحر. قال دريد بن الصمة: [الطويل]

فإن تدبروا نأخذكم في ظهوركم... وإن تقبلوا نأخذكم في التّرائب

وقال المخبل السعدي: [الكامل]

والزعفران على ترائبها... شرق به اللّبّات والنّحر

وواحد الترائب: تريبة، مثل: صحيفة، وصحائف. قال المثقب العبدي: [الوافر]

ومن ذهب يسنّ على تريب... كلون العاج ليس بذي غضون

وقد جمعت على (ترائب) باعتبار ما حولها، وما أحاط بها، ولم يجمع الصلب كما جمعت التربية، وكذلك تقول العرب: رأيت خلاخيل المرأة، وثديها: وإنما لها ثديان، وخلخالان.

<<  <  ج: ص:  >  >>