للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّهُ} أي: الله جل ثناؤه. {عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ} أي: أن الله تعالى قادر على أن يرد النطفة في الإحليل. وقيل: قادر على أن يرد الماء في الصلب الذي خرج منه. وقيل: معناه إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة. وقيل: معناه وإن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء، قادر على إعادته حيا بعد موته، وهو أهون عليه، ولا صعب على الله، وهذا القول هو الأصحّ، وأحقّ بالاعتبار بمعنى الآية لقوله جلّ ذكره بعده {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}.

ومعنى {تُبْلَى} تظهر الخبايا، والأمور المستورة في الدنيا. وقيل: {تُبْلَى} تعرف. قال الراجز: [الرجز]

قد كنت قبل اليوم تزدريني... فاليوم أبلوك وتبتليني

و {السَّرائِرُ} جمع: سريرة، وهي كل ما كان استسره الإنسان من خير، أو شر، وأضمره من إيمان وكفر، كما قال الأحوص: [الطويل]

إذا رمت عنها سلوة قال شافع... من الحبّ ميعاد السّلوّ المقابر

سيبقى لها في مضمر القلب والحشا... سريرة ودّ يوم تبلى السّرائر

وقيل: {السَّرائِرُ} فرائض الأعمال، كالصوم والصّلاة، والزكاة، والوضوء، والغسل من الجنابة. فكل هذه سرائر بين العبد وبين ربه عزّ وجلّ، وذلك؛ لأن العبد قد يقول في الدنيا:

صليت؛ ولم يصلّ، وصمت؛ ولم يصم، وزكيت؛ ولم يزك، واغتسلت؛ ولم يغتسل، فإذا كان يوم القيامة يختبر؛ حتى يظهر من أداها، ومن ضيعها. قال عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: يبدي الله يوم القيامة كل سر خفي، فيكون زينا في وجوه، وشينا في وجوه. فمن أدى الفرائض، كما أمر؛ كان وجهه مشرقا مستنيرا يوم القيامة. ومن ضيعها، أو انتقص منها شيئا؛ كان وجهه أغبر. والله عالم بكل شيء، ولكن يظهر ما ذكر علامات للمؤمنين، وفيه ما فيه من السرور، والغبطة، والحبور.

قال محمد علي الصابوني-جزاه الله خيرا-: اكتشف الطب الحديث: أن هذا السائل من مني الإنسان يحوي حيوانات صغيرة، تسمى: (الحيوانات المنوية) وهي لا ترى بالعين المجردة، إنما ترى (بالمكروسكوب) وكل حيوان منها، له رأس، ورقبة، وذيل، يشبه دودة العلق في شكلها، ورسمها، وأن هذا الحيوان يختلط بالبويضة الأنثوية، فيلقحها، فإذا ما تم اللقاح؛ انطبق عنق الرحم، فلم يدخل بعده شيء إلى الرحم، وأما بقية الحيوانات؛ فتموت، وهذه الناحية العلمية: (وهي: أن الحيوان المنوي يشبه العلق في الشكل، والرسم). قد أثبتها القرآن في سورة (العلق): {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ} فهذه الآية معجزة بليغة من معجزات القرآن، لم يظهر وقت نزولها، ولا بعده بمئات السنين إلى أن اكتشف المجهر المكبر المذكور، وعرف كيف يتكون الإنسان بقدرة الله. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>