للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلّهِ،} وقوله جلت حكمته: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ..}. إلخ. وبنفسه أخرى، مثل الآية الكريمة التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى في سورة (الفتح) رقم [٩]: {وَتُسَبِّحُوهُ،} وفي سورة (الأحزاب) رقم [٤٢]: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،} وقوله تعالى في آخر سورة (ق): {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} وأصله التعدي بنفسه؛ لأن معنى «سبحته»: بعدته من السوء، منقول من: سبح إذا ذهب، وبعد، فاللام إما أن تكون مثل: نصحته، ونصحت له، وشكرته، وشكرت له، وإما أن يراد: يسبح لله: اكتسب التسبيح لأجل الله، ولوجهه خالصا. انتهى. نسفي من سورة (الحديد).

{الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى} أي: خلق جميع المخلوقات، فأتقن خلقها، وأبدع صنعها في أجمل الأشكال، وأحسن الهيئات. قال في البحر: أي: كلّ شيء فسواه، بحيث لم يأت متفاوتا، بل متناسبا على إحكام، وإتقان، للدلالة على أنه صادر من عالم حكيم. انتهى. صابوني، والمعنى: خلق كل ذي روح فسوى اليدين، والرجلين، والعينين. وقيل: خلق الإنسان مستويا معتدل القامة. وانظر سورة (الانفطار) رقم [٧] وانظر سورة (التين) أيضا.

{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى:} قيل: قدر الأرزاق، وهدى لاكتسابها. وقيل: قدر لكل شيء شكله فهدى؛ أي: عرف كيف يأتي الذكر، والأنثى، سواء أكان من الإنسان، أو من الحيوان حتى الذبابة. وقيل: قدر مدة الجنين في الرحم، وهداه إلى الخروج منه. وقيل: قدر لأقوام الشقاوة، والسعادة لأقوام، ثم هدى كل فريق من الطائفتين لسلوك سبيل ما قدر له، وعليه، فهذه الآية كقوله تعالى في سورة (طه) رقم [٥٠]: {قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى} انظر شرحها هناك، فعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء». أخرجه مسلم.

وفي الجمل نقلا عن الخطيب: أي: أوقع تقديره في أجناس الأشياء، وأنواعها وأشخاصها، ومقاديرها، وصفاتها، وأفعالها، وآجالها، وغير ذلك من أحوالها. فجعل البطش لليد، والمشي للرجل، والسمع للأذن، والبصر للعين، ونحو ذلك. وقوله: {فَهَدى} أي: هدى الإنسان، ودله لسبيل الخير، والشر، والسعادة، والشقاوة، وهدى الأنعام لمراعيها. وقيل:

المعنى: قدر أقواتهم، وأرزاقهم، وهداهم لمعاشهم إن كانوا بشرا، ولمراعيهم إن كانوا وحوشا، ومن ذلك هدايات الإنسان إلى مصالحه من أغذيته، وأدويته، وأمور دنياه، ودينه، وإلهامات البهائم، والطيور، وهوام الأرض إلى معاشها ومصالحها. انتهى.

{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى:} بعد أن ذكر ما يختص بالإنسان؛ أتبعه بما يختص بالحيوان من الحشائش، والأعشاب. وجميع أنواع النباتات، والزروع، من أخضر، وأصفر، وأحمر، وأبيض، وغير ذلك. {فَجَعَلَهُ غُثاءً} يابسا، هشيما، باليا كالغثاء الذي تراه فوق السيل. وغثاء

<<  <  ج: ص:  >  >>