للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى في آخر سورة (ق): {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ}. وقال تعالى في سورة (الشورى): {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ} رقم [٤٨].

{إِلاّ مَنْ تَوَلّى وَكَفَرَ} أي: تولى عن الوعظ، والتذكير، فإن لله الولاية، والقهر. {فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ:} وهي جهنم الدائم عذابها. وإنما قال: {الْأَكْبَرَ؛} لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع، والقحط، والأسر، والقتل. روي أن عليا-رضي الله عنه-أتي برجل من السبأيين ارتد، فاستتابه ثلاثة أيام، فلم يعاود الإسلام، فضرب عنقه، وقرأ: {إِلاّ مَنْ تَوَلّى وَكَفَرَ} والمشهور أنهم كانوا سبعة من السبأيين. قالوا له: أنت الإله، فنهاهم، فلم ينتهوا، فقتلهم.

{إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ} أي: إن إلينا رجوعهم بالموت، والبعث، لا إلى أحد سوانا، لا استقلالا ولا اشتراكا، ثم إن علينا حسابهم في المحشر، لا على غيرنا، و {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة لا في الزمان، فإن الترتيب الزماني بين إيابهم، وحسابهم، لا بين كون إيابهم إليه تعالى، وحسابهم عليه تعالى، فإنهما أمران مستمران. وجمع الضمير في {إِيابَهُمْ} و {حِسابَهُمْ} باعتبار معنى {مَنْ} كما أن إفراده في: (يعذبه) باعتبار لفظها، وفي تصدير الجملتين ب‍: {إِنَّ} وتقديم خبرها، وعطف الثانية على الأولى بكلمة {ثُمَّ} المفيدة لبعد منزلة الحساب في الشدة من الإنباء عن غاية السخط الموجب لتشديد العذاب ما لا يخفى. انتهى. أبو السعود. وقال الخطيب: فإن قيل: ما معنى تقديم الظرف؟ أجيب: بأن معناه: التشديد في الوعيد، وأن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام، وأن حسابهم ليس إلا عليه، وهو الذي يحاسب على النقير، والقطمير. انتهى. جمل. وليس على الله واجب، وإنما المراد: التشديد بالوعيد.

{لَسْتَ:} حذفت عينه لالتقاء الساكنين: الياء والسين، إذا أصلة ليس بكسر الياء، ثم سكنت الياء للتخفيف، ولم تقلب ألفا على القياس؛ لأن التخفيف بالتسكين في الجامد أسهل من القلب، فلما اتصل بضمير رفع متحرك سكنت العين، فالتقى ساكنان: الياء والسين، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين.

هذا؛ والإياب: الرجوع، وهو مصدر آب، يؤوب، وأصله: إواب مثل: القيام، والصيام، أبدلت الواو ياء لانكسار ما قبلها واعتلالها في الفعل، ويقرأ بتشديد الياء، وأصله: إيواب على:

فيعال، فاجتمعت الواو، والياء، وسبقت الأولى بالسكون، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وخذ قول عبيد بن الأبرص في معلقته رقم [١٦]: [مخلع البسيط]

وكلّ ذي غيبة يؤوب... وغائب الموت لا يؤوب

الإعراب: {فَذَكِّرْ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا، وواقعا؛ فذكر. (ذكر): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، والمفعول محذوف للتعميم، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب‍: «إذا». {إِنَّما:}

<<  <  ج: ص:  >  >>