للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها} أي: تبعها، وذلك في النصف الأول من الشهر؛ إذا غربت الشمس؛ تلاها القمر في الإضاءة، وخلفها في النور. وقيل: تلاها في الاستدارة، وذلك حين يكمل ضوءه، ويستدير، وذلك في الليالي البيض. وقيل: {تَلاها} تبعها في الطلوع، وذلك في أول ليلة من الشهر إذا غربت الشمس ظهر الهلال، فكأنه تبعها. انتهى. خازن. هذا؛ والشمس، والقمر، والليل، والنهار من نعم الله العظيمة على العباد، وقد سخرهن الله لمصالحهم. قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ..}. إلخ رقم [٣٣].

والمعنى: أن الله تعالى سخر الشمس، والقمر يجريان دائما فيما يعود إلى مصالح العباد لا يفتران إلى آخر الدهر. وقيل: يدأبان في سيرهما، وتأثيرهما في إزاحة الظلمة، وإصلاح النبات، والحيوان؛ لأن الشمس سلطان النهار، وبها تعرف فصول السنة، والقمر سلطان الليل، وبه يعرف انقضاء الشهور، وكل ذلك بتسخير الله عز وجل، وإنعامه على عباده. انتهى. خازن.

هذا؛ وقال الصابوني في صفوة التفاسير: وحكمة القسم بالشمس: أن العالم في وقت غيبة الشمس عنهم كالأموات، فإذا ظهر الصبح، وبزغت الشمس؛ دبت فيهم الحياة، وصار الأموات أحياء، فانتشروا لأعمالهم وقت الضحوة، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها. والشمس والقمر مخلوقان لمصالح البشر، والقسم بهما للتنبيه على ما فيهما من المنافع العظيمة. انتهى. نقلا من حاشية الصاوي.

{وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها:} يعني جلّى ظلمة الليل بضيائه، وكشفها بنوره، وهو كناية عن غير مذكور لكونه معروفا. وفي السمين: والضمير المنصوب، إما للشمس، وإما للظلمة، وإما للأرض، ومنه قول قيس بن الخطيم: [الطويل]

تجلّت لنا كالشمس تحت غمامة... بدا حاجب منها وضنّت بحاجب

وانظر ما ذكرته في سورة (القيامة) رقم [٢٦].

{وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها:} يغطي الشمس بظلمته، فيزيل ضوءها، فالنهار يجليها، ويظهرها، والليل يغطيها، ففي ذلك مقابلة ظاهرة، وبين الشمس والقمر، والليل والنهار طباق، وكلاهما من المحسنات البديعية. قال الخازن: وحاصل هذه الأقسام الأربعة ترجع إلى الشمس في الحقيقة؛ لأن بوجودها يكون النهار، ويشتد الضحى، وبغروبها يكون الليل، ويتبعها القمر.

هذا؛ وقد جيء بالفعل هنا مضارعا دون ما قبله، وما بعده مراعاة للفواصل؛ إذ لو أتي به ماضيا؛ لكان التركيب: إذ غشيها، فتفاوت المناسبة اللفظية بين الفواصل، والمقاطع.

بعد هذا فالليل واحد بمعنى الجمع، واحدته: ليلة، مثل: تمر، وتمرة، وقد جمع على ليال كما في سورة (الفجر)، فزادوا فيه الياء على غير قياس، ونظيره: أهل، وأهال، والليل الشرعي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، وهو أحد قولين في اللغة، والقول الآخر من

<<  <  ج: ص:  >  >>