للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القياس فصيحا في الاستعمال، ومثله شرّ وحبّ. هذا؛ و {الْأُولى} هي الحياة الحاضرة؛ التي نحياها، وبينها وبين (الآخرة) طباق، وهو من المحسنات البديعة.

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} أي: يعطيك ربك في الآخرة؛ حتى ترضى. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هي الشفاعة في أمته؛ حتى يرضى. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا قوله تعالى في سورة (إبراهيم) رقم [٣٦]: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ،} وقوله تعالى حكاية عن قول عيسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} من سورة (المائدة) ثم رفع يديه. وقال: «اللهم أمتي أمتي! وبكى». فقال الله عز وجل: يا جبريل! اذهب إلى محمد، واسأله ما يبكيك؟ (وهو أعلم) فأتى جبريل عليه السّلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال، (وهو أعلم) فقال الله عز وجل: اذهب يا جبريل إلى محمد، وقل له: «إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك». أخرجه مسلم في كتاب الإيمان.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال: «لكلّ نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا». متفق عليه.

وعن عوف بن مالك-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتاني آت من عند ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئا». أخرجه الترمذي.

وفي القرطبي: وقال علي-رضي الله عنه-وفي الخازن: قال حرب بن شريح سمعت جعفر بن محمد بن علي؛ أي: زين العابدين يقول: (يا معشر أهل العراق! إنكم تقولون: أرجى آية في كتاب الله: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ..}. إلخ رقم [٥٣] من سورة (الزمر) قالوا: نقول ذلك. قال: ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله قوله تبارك وتعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}. وروي في الحديث: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما نزلت قال: «إذا لا أرضى قط، وواحد من أمتي في النار». ورحم الله من قال: [الوافر]

قرأنا في الضحى ولسوف يعطي... فسرّ قلوبنا ذاك العطاء

وحاشا يا رسول الله ترضى... وفينا من يعذّب، أو يساء

وانظر ما ذكرته في آية (الزمر) رقم [٥٣] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ وقيل في معنى الآية: ولسوف يعطيك ربك من الثواب، فترضى. وقيل: من النصر، والتمكين، وكثرة المؤمنين فترضى، وحمل الآية على ظاهرها من خيري الدنيا، والآخرة معا أولى، وذلك أن الله تبارك

<<  <  ج: ص:  >  >>