للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اِقْرَأْ} أي: القرآن. {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ:} الذي لا يساويه، ولا يدانيه كريم، ينعم على عباده بالنعم؛ التي لا تحصى، ويحلم عنهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم، وجحودهم لنعمه، واقترافهم المناهي، وتركهم الأوامر، ويقبل توبتهم إذا تابوا، ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم، فما لكرمه غاية، ولا أمد، وكأنه ليس وراء التكريم بإفادة الفوائد العلمية تكريم؛ حيث قال: {الْأَكْرَمُ}.

{الَّذِي عَلَّمَ} أي: الخط، والكتابة. {بِالْقَلَمِ:} فدل على كمال كرمه، وفضله بأنه علّم عباده ما لم يعلموا. وروى سعيد عن قتادة قال: القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش، فدل على كمال كرمه سبحانه بأنه علّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة؛ لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين، ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي؛ ما استقامت أمور الدين، والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل إلا أمر القلم، والخط؛ لكفى، وسمي قلما؛ لأنه يقلم؛ أي:

يقطع، ومنه تقليم الأظافر. وقال بعض الشعراء المحدثين في وصف القلم: [الكامل]

فكأنّه والحبر يخضب رأسه... شيخ لوصل خريدة يتصنّع

ألاّ ألاحظه بعين جلالة... وبه إلى الله الصحائف ترفع

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: يا رسول الله! أأكتب ما أسمع منك من الحديث؟ قال: «نعم اكتب فإن الله علّم بالقلم». وروى مجاهد عن ابن عمر قال: خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده، ثم قال لسائر المخلوقات: كن، فكان: القلم، والعرش، والجنة، وآدم عليه السّلام. واختلف فيمن خط بالقلم أولا: فقيل: إدريس. وقيل: آدم، على نبينا، وحبيبنا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ألف صلاة، وألف سلام، ونبينا صلّى الله عليه وسلّم كان أميا لم يتعلم الكتابة، والقراءة، وكان عيسى عليه السّلام حسن الخط.

هذا؛ وقال العلماء: فالأقلام في الأصل ثلاثة: القلم الأول الذي خلقه الله بيده، وأمره أن يكتب ما كان، وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة. والقلم الثاني: أقلام الملائكة؛ التي جعلها الله بأيديهم، يكتبون بها المقادير، والكوائن، والأعمال، والآجال، والأرزاق... إلخ.

والقلم الثالث: أقلام الناس جعلها الله بأيديهم يكتبون بها كلامهم، ويصلون بها إلى مآربهم.

وفي الكتابة فضائل جمة، وفوائد عظيمة، والكتابة من جملة البيان، والبيان مما اختص الله به الآدمي. انتهى. قرطبي بتصرف كبير. وانظر مطلع سورة (القلم)، وما ذكرته في سورة (الانفطار) وفي سورة (ق)، و (الطارق).

<<  <  ج: ص:  >  >>