فعن أنس-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة؛ فارقها؛ والله عنه راض». رواه ابن ماجه، والحاكم.
وعن ثوبان-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كلّ فتنة ظلماء». رواه البيهقي. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه». رواه ابن حبان. وحذر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الرياء وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من تزيّن بعمل الآخرة وهو لا يريدها، ولا يطلبها لعن في السموات والأرض». رواه الطبراني في الأوسط، وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدّنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من الّلين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب. يقول الله عز وجل: أبي يفترّون أم عليّ يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم حيران». رواه الترمذي. والأحاديث في ذلك في الترغيب والترهيب للحافظ المنذري-رحمه الله تعالى-كثيرة.
{حُنَفاءَ:} مسلمين. وقيل: مخلصين. وهو جمع، مفرده: حنيف. وتكرر الكلام على إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-بأنه كان حنيفا، وفسر بحقه بأنه مائل عن كل دين باطل إلى دين الحق. قال الشاعر:[الوافر]
ولكنّا خلقنا إذ خلقنا... حنيفا ديننا عن كلّ دين
هذا؛ والحنف: الميل في القدمين. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: ولفظة «حنفاء» من الأضداد تقع على الاستقامة، وعلى الميل. أقول: وهذا يكون بالمعنى المأخوذ منه، وهو الميل، وقد ذكرت لك فيما مضى: أن الفعل: مال يتغير معناه بتغير الجار تقول: ملت إليه، وملت عنه.
وفي الخطيب:{حُنَفاءَ:} مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام، وأصل الحنف في اللغة الميل، وخصه العرب بالميل إلى الخير، وسمّوا الميل إلى الشر إلحادا، والحنيف المطلق هو الذي يكون متبرئا عن أصول الملل الخمسة: اليهود، والنصارى، والصابئين، والمجوس، والمشركين، وعن فروعها من جميع النحل إلى الاعتقادات، وعن توابعها من الخطأ، والنسيان إلى العمل الصالح، وهو مقام التقى، وعن المكروهات إلى المستحبات، وهو المقام الأول من الورع، وعن الفضول شفقة على خلق الله، وهو ما لا يعني إلى ما يعني، وهو المقام الثاني من الورع، وعما يجر إلى الفضول، وهو مقام الزهد، فالآية جامعة لمقامي الإخلاص الناظر أحدها إلى الحق، والثاني إلى الخلق. انتهى.
وفي الرازي: واعلم: أن الكمال في كل شيء إنّما يحصل إذا حصل الأصل، والفرع معا.
فقوم بالغوا بالأعمال التي هي الفروع، ولم يحكموا الأصول، وهم اليهود، والنصارى،