والنسب. وتفصيل ذلك: أنك إذا قلت: عرفت زيدا، فالمعنى: أنك عرفت ذاته، ولم ترد أنك عرفت وصفا من أوصافه، فإذا أردت هذا المعنى لم يتجاوز مفعولا؛ لأن المعرفة تناول الشيء نفسه، ولم يقصد إلى غير ذلك، وإذا قلت: علمت زيدا قائما؛ لم يكن المقصود: أن العلم تناول نفس زيد فحسب، وإنما المعنى: أن العلم تناول كون زيد موصوفا بهذه الصفة. تأمل، وتدبر.
{بُعْثِرَ:} البعثرة بالعين، والبحثرة بالحاء: استخراج الشيء، واستكشافه. وانظر قوله تعالى في سورة (الانفطار): {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}. وقال أبو عبيدة: بعثرت المتاع: جعلت أسفله أعلاه.
وقال الفراء: سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ: «(بحثر)» بالحاء مكان العين، وحكاها الماوردي عن ابن مسعود-رضي الله عنه-وهما بمعنى. {ما فِي الْقُبُورِ:} من الموتى، وهذا على الأغلب، وهناك من هو في جوف الطير، وجوف السمك، وهناك من أحرق، وصار رمادا، فلم يدفن، كما هو معلوم لدى كل إنسان.
هذا؛ وقال سليمان الجمل-رحمه الله تعالى-: فإن قيل: لم قال: {ما فِي الْقُبُورِ؟} ولم يقل: من في القبور، ثم قال بعد ذلك: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ؟} أجيب عن الأول بأن ما في الأرض غير المكلفين أكثر، فأخرج الكلام على الأغلب، أو أنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء، بل يصيرون كذلك بعد البعث، فلذلك كان الضمير الأول ضمير غير العقلاء، والضمير الثاني ضمير العقلاء. انتهى. أقول: وهذا؛ لأن (من) للعاقل، و (ما) لغيره.
{وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ} أي: أخرج، وجمع بغاية السهولة ما في الصدور من خير، وشر، وإيمان، وكفر مما يظن مضمره: أنه لا يعلمه أحد أصلا، وظهر مكتوبا في صحائف الأعمال.
وهذا يدل على أن الإنسان يحاسب بها كما يحاسب على ما يظهر من آثارها. انتهى. خطيب.
أقول: انظر قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٨٤]: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ}. ولا تنس: أنه خص أعمال القلوب بالذكر، وترك أعمال الجوارح؛ لأنها تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا تحقق البواعث، والإرادات في القلوب؛ لما حصلت أعمال الجوارح.
{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ:} عالم لا يخفى عليه منهم خافية. وهو عالم بهم في ذلك اليوم، وفي غيره، وعالم بما يصنعون، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء. وإنما خص علمه بهم في ذلك اليوم، وهو يوم القيامة؛ لأنه يوم الجزاء بقصد الوعيد، والتهديد، وهو تضمين معنى (خبير).
الإعراب: {أَفَلا:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. الفاء: عاطفة على محذوف. انظر تقديره في الشرح. (لا): نافية. {يَعْلَمُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانَ} تقديره:
«هو». {إِذا:} ظرف مجرد عن الشرطية، العامل فيه ما دل عليه قوله: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} ولا يعمل فيه {يَعْلَمُ؛} لأن الإنسان لا يراد منه العلم، ولا يقصد منه في ذلك الوقت،