للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثيرة، كقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٣٢]: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ،} وقال تعالى في سورة (البقرة) [١٦٨]: {يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} وما يشبهها في سورة (المائدة) رقم [٨٨] وسورة (الأنفال) رقم [٦٩] ونعيم الدنيا أهمه الأمن، والصحة، وسائر ما يتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومسكن، ومفرش ومركب... إلخ.

والسؤال يوم القيامة عن النعيم يعم الكافر، والمؤمن، وهو الأولى، لكن سؤال الكافر سؤال توبيخ، وتقريع؛ لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه، والمؤمن يسأل سؤال تشريف، وتكريم؛ لأنه شكر ما أنعم الله به عليه، وأطاع ربه، فيكون السؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي عن الزبير-رضي الله عنه-قال: لما نزلت: {لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يا رسول الله! وأي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان: التمر والماء. قال: «أما إنه سيكون». أخرجه الترمذي. انتهى. خازن. أقول: وهذا من النبي صلّى الله عليه وسلّم بشارة، وإخبار بما سيكون من النعيم بعده، وقد كان، وكان، وكان... إلخ.

وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: ما النعيم الذي يسأل عنه الإنسان، ويعاتب عليه؟ فما من أحد، إلا وله نعيم، قلت: هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب، ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم، والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما، فأما من تمتع بنعمة الله، وأرزاقه؛ التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم، والقيام بالعمل الصالح، وكان ناهضا بالشكر؛ فهو من ذاك بمعزل، وإليه أشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يروى: «أنه أكل هو وأصحابه تمرا، وشربوا عليه ماء، فقال: الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وجعلنا مسلمين». انتهى. كشاف.

هذا؛ وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما-، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟». قالا: الجوع يا رسول الله! قال: «وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوما!». فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة. قالت: مرحبا، وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين فلان؟». قالت: يستعذب لنا من الماء؛ إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله! ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني! قال: فانطلق، فجاءهم بعذق، فيه بسر، وتمر، ورطب، فقال: كلوا من هذه.

وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والحلوب!». فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا، ورووا؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما-: «والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم». انتهى. وأخرجه الترمذي، وزاد فيه: «هذا والذي نفسي

<<  <  ج: ص:  >  >>